فقال مولانا: أنا البخاري فمن مسلم؟ قلت: أنت البخاري وأنا المسلم. قال: وتشبه هذه الحكاية ما جرى بين الحافظ أبي عمر ابن عبد البرّ النمري والحافظ أبي محمد علي بن أحمد اليزيدي، كانا يتسايران في سكة الخطابين من إشبيلية فاستقبلهما غلام وضيء الوجه. فقال أبو محمد: إن هذه لصورة حسنة. فقال أبو عمر: لعلّ ما تحت الثياب ليس هناك. فأنشد أبو محمد ارتجالا:[الطويل]
وذي عذل صعب سباني حسنه ... يطيل ملامي في الهوى ويقول
أفي حسن وجه لاح لم تر غيره ... ولم تدر كيف الجسم أنت قتيل
فقلت له أسرفت في اللّوم عاذلي ... وعندي ردّ لو أردت طويل
ألم تر أني ظاهريّ وأنني ... على ما بدا حتى يقوم دليل
وحكى أبو حيّان أيضا، قال: اجتمعت أنا والقاضي علاء الدين بن بنت الأعز والقاضي فخر الدين بن درباس في متنزّه، وإذا بغلام يعوم في النيل ويتلطخ بالتراب ويسبح، فنظم كلّ منّا قصيدة في ذلك من غير أن يطّلع على نظم الآخر أو يتقارب في المعنى:[الكامل]
ومترّب قد ظنّ أن جماله ... سيصونه منّا بترب أعفر
فغدا يضمّخه فزاد ملاحة ... إذ قد حوى ليلا بصبح أنور
وكأنما الجسم الصّقيل وتربه ... كافورة لطخت بمسك أذفر «١»
وقال القاضي علاء الدين:[الكامل]
ومترّب لولا التراب بجسمه ... لم تبصر الأبصار منه منظرا
وكأنه بدر عليه سحابة ... والتّرب ليل من سناه أقمرا