فضله، وواتاه من حسن فعله إلّا أنّ حساده على كثرة عددهم لم يجمعوا لديه إلا جمع القلّة، ولا متّ الصحيح إليه إلّا بما يلزمه من حروف العلّة؛ لعلوّ رتبة اخترق أطباقها، وجارى النجوم وبذّ «١» سباقها فحلّ النجاد «٢» ، وخلّى البجاد «٣» وأجاد، وغيره في أبي جاد.
ولد في سلخ جمادى الآخرة سنة تسع وعشرين وستمئة بحلب. وسمع ابن الليثي وابن النفيس النحوي وابن رواحة وابن خليل ووالده. وقرأ القرآن على أبي عبد الله الفاسي، وأخذ العربية عن الجمال بن عمرون، واستوطن مصر لمّا خربت حلب.
وقرأ على الكمال الضرير وغيره. ثم جلس للإفادة، وتخرج به جماعة من الأئمة وفضلاء الأدب، وكان من الأذكياء. وله خبرة بالمنطق وأقليدس، وكان مشهورا بالصدق والعدالة والدين مع اطّراح الكلفة وصغر العمامة ويمشي في الليل بين القصرين بقميص وطاقية على رأسه. وكان حسن الأخلاق فيه ظرف النحاة، وكان له مكانة من الناس. وإذا انفرد بشهادة حكم فيها، واقتنى كتبا كثيرة نفيسة، ولم يتزوج. وكان له أوراد من العبادة، كثير التلاوة، كثير الذكر. يسعى في مصالح الناس.
قال أبو الصفا: حكى لي عنه القاضي عماد الدين إسماعيل ابن القيسراني أنه لم يأكل العنب، قال: لأنه كان يحبّه فآثر أن يكون نصيبه في الجنّة.
وقال: أخبرني الحافظ ابن سيد الناس اليغمري، قال: زكّى بعض الفقهاء تزكية عند بعض القضاة ما زكّاها أحد قطّ؛ لأنه أمسك بيد المزكي، وقال للقاضي: الناس ما يقولون: ما نؤمن على الذهب والفضة إلّا حمار. قال: نعم. قال: وهذا حمار. وانصرف بحكم القاضي بعدالة ذلك المزكي.