وقتني من نار الجحيم بنفسها ... وذلك معروف لها ليس تجحد «١»
والأغلب والله أعلم أنه كان حنبلي المذهب على ما يأتي؛ وإنما قال هذا في الخمرة تفسحا في القول على عادة الشعراء في التقبيح في القول.
وأخذ الأدب عن المبرّد وثعلب وغيرهما. وكان محبّا للعلماء معدودا منهم ولم يزل مرشحا للخلافة مؤهلا للملك، يخاف ويرتجى إلى أن كان ما كان من المقتدر من فساد الأمور، وضياع الجمهور؛ لصغر سنّه، وغلبة النساء عليه. ورأى العباس بن الحسن الوزير أن هذا يفتقر إلى خلع المقتدر، ومبايعة أبي العبّاس فدعا إلى ذلك الحسن بن أحمد، فقام إليه داعيا، وتردّد في التمام له ساعيا إلى أن انقاد غالب العامة، وخاصة أرباب العقد والحل، كمحمد بن داود القاضي، وأبي المفتي أحمد بن يعقوب، وبدر الأعجمي، وصوارتكين التركي، ثم راسلوا أبا العباس فأجابهم على ألّا يسفك دم. ثم بدا للوزير لاقتداره على المقتدر وضعف أيسر أهل رأيه متخليا عن الفريقين، بعد أن شبّ نهارها، وشدّ أوزارها، فلحق به حمدان وبدر الأعجمي ووصيف فقتلوه، ثم قتلوا في غد ذلك اليوم فاتك المعتضدي، وكان عضدا للمقتدر، وذلك يوم السبت لتسع بقين من ربيع الأول سنة ست وتسعين ومئتين. وركض ابن حمدان إلى الخلية نحو المقتدر يطلبه بالتدمير، وكان المقتدر هناك يلعب بالكرة، فلما بلغه مقتل الوزير أطلق عنان جواده والتحق في القصر بأمداده، ثم أمر فغلّقت أبواب القصر وطوّق بالمقاتلة مستعدا للحصير، فكرّ ابن حمدان راجعا يتلظّى ندما؛ لكونه لم يبدأ به، وأحضر أبا العباس في يومه، وبايعه الناس بالخلافة على يد محمد بن سعيد الأزرق، ولقّب الغالب بالله، وقتل المتصف. والأول أصح. ولم يتأخر عن بيعه سوى الحسن بن الفرات فاستوزر محمد بن داود، وقلّد علي بن عيس الدواوين، وكتب الكتب ببيعته إلى الآفاق وأرسل إلى المقتدر يأمره بأن ينتقل إلى دار عبد الله بن طاهر، فأجابه بالامتثال، وسأله في المهلة، وأصبح ابن حمدان إلى دار الخلافة، والمقتدر بها ليخرجه منها فقاتله الغلمان والخدم عامة النهار، ولم يكن قد بقي مع المقتدر سوى مؤنس الخادم