قلت: ومن غرائب الأمور وعجائب ما جرى به القدر المأمور أنّ ابن حمدان هذا؛ بل كل بني حمدان كانوا في غاية التشيع، وخصوصا هذا الحسن فإنه كان رأسا في الغلاة، وكان ذا لسن، وكان ابن المعتز غاية في التسنّن وخصما في الجدال، تخرس له الألسن. وكان ابن حمدان هو القائم في قيام ابن المعتز على بعد ما بينهما وتنائي جانبيهما، وكل واحد منهما لم يبرح للآخر مناقضا، ولقواعده في المذهب معارضا؛ إلّا أنّ الله إذا أراد أمرا أتمّه وكان أمر الله مفعولا.
وكان ابن المعتز رأس أهل اللغة والنحو، متقنا للأدب عالما بالبيان عارفا بفنونه، مطّلعا على مكنونه. أعرف أهل زمانه، بل الناس، مطلقا به، مائلا إلى الغزل وضروبه، مولعا بالتشبيه والأوصاف، مجيدا فيهما وفي التشبيه أكثر. وكان يقول: لو قيل لي: ما أحسن شعر؟ لقلت: قول العباس بن الأحنف: [البسيط]
قد سحّب الناس أذيال الظنون بنا ... وفرّق الناس فينا قولهم فرقا
فكاذب قد رمى بالظنّ غيركم ... وصادق ليس يدري أنه صدقا «١»
ومن مأثور كلامه في علم البديع قوله في الالتفات:
الالتفات، انصراف المتكلم عن الإخبار إلى المخاطبة، ومثاله من القرآن العزيز ب «الحمد لله ربّ العالمين» ثم قال: «إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ «٢» »