للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرند، والشعب في سفحه تضاحك الأفق ثغر صبحه، والأنهار تنحدر «١» عليه من أعلى الجبل، ويناجيه صبها برقة الغزل يتيه «٢» على أنديتها مقبلا، ويترامى على شفاهها الخو مقبلا، قد تكسرت على رباها، فأوهمت الغواني في حلاها، بقلب عواضها المخضرة كالعذار، والتفتت حدائقها إليها كأنها اعتذار، وهو من أبدع بقاع الأرض منظرا، وأندى دوحا نضرا.

قال المبرد [١] : أشرفت على شعب بوان، فنظرت فإذا بماء منحدر كأنه سلاسل فضة، وتربة كالكافور، وروضة كالثواب الموشي، وأشجار متهادلة، وأطيار متجاوبة.

ولقد حدثني من رآها، وطيب مفارقة بثراها، إنها تذهب بالألباب ويذهب بها عصر الشباب، لا تكاد الشمس تسقط من أردائها، ولا الكواكب تغيب من فرجات أغصانها.

ولقد مر أبو الطيب المتنبي [٢] بشعب بوان لما توجه إلى عضد الدولة بن بويه [٣] واستطابة واستطال «٣» نزولا به، واستطار إعجابا بما هزه فيه هزه الحمام من طربه، فلما سمع لغة أهل العجم، وقاس إلى فصاحة قومه البكم، استغرب بينهم


[١] المبرد (أبو العباس) ٨٢٦- ٨٩٨ م نحوي، ممثل مذهب البصرة، تلميذ المازني والسجستاني، علّم في بغداد من أشهر مؤلفاته الكامل المنجد في الأعلام ٥١٩) .
[٢] أبو الطيب المتنبي هو أبو الطيب أحمد بن الحسين الكوفي الكندي، ولد بالكوفة سنة ٣٠٣ هـ، نبغ في الشعر ومدح سيف الدولة الحمداني في سيفياته وكافور الإخشيدي في كافورياته وقتل سنة ٣٥٤ هـ.
[٣] عضد الدولة بن بويه هو أبو شجاع فغا خسرو بن ركن الدولة حسن بن بويه، جلس على كرسي حكم فارس دكرمان سنة ٣٣٨ هـ ثم أصفهان وضواحيها ٣٥٦ هـ ثم الموصل وديار بكر وبغداد، وتوفي سنة ٣٧٢ هـ (انظر: تاريخ گرديزى ١٤٦، ابن الأثير ٧/١٠٠- ١١١، تكملة تاريخ الطبري ٤٠٧، ابن الأثير ١١/٢٦٣، ابن مسكويه ٢/٣٠٠، روضة الصفا ١٨٨- ١٩٢) .

<<  <  ج: ص:  >  >>