تعجّل دينارا من نظارة كرم، فسمع صوت امرأة تصيح، فقال: ما لهذه؟. قالوا: تلد. قال:
وأي شيء نعمل لها عند ولادتها؟. قالوا: نشتري لها الدقيق، والزيت، والعسل، والسمن.
فصرف ديناره، واشترى زنبيلا «١» ، وملأه من هذه الأخبية، ثم حمله على رقبته إلى بابها، وقال: خذوا!. فنظروا ... وإذا هم أفقر بيت من أهل قيسارية، وأعبده لله تعالى!!.
وقال بقية بن الوليد «٢» : سمعت إبراهيم بن أدهم يقول: تعلّمت المعرفة من راهب يقال له: سمعان. دخلت عليه في صومعته، فقلت له: يا سمعان! منذ كم أنت ها هنا؟. فقال:
منذ سبعين سنة!، فقال: يا حنيفي! وما دعاك إلى هذا؟. فقلت: أحببت أن أعلم. ثم قلت له: ما الذي تأكل؟. قال: في كل ليلة حمّصة!. قلت: فما الذي يهيج قلبك حتى يكفيك الحمّصة؟. فقال: ترى الدير الذي بحذائك؟. قلت: نعم. قال: إنهم يأتوني في كل سنة يوما واحدا؛ فيزيّنون صومعتي، ويطوفون حولها، ويعظّموني بذلك، فكلّما تثاقلت نفسي عن العبادة، ذكرت تلك الساعة، فأنا أحتمل جهد سنة لعزّ ساعة، فاحتمل أنت يا حنيفي جهد ساعة لعزّ الأبد. فوقعت المعرفة في قلبي. ثم قال لي: حسبك أو أزيدك؟. قلت: زدني.
فقال: انزل عن الصومعة، فنزلت، فأدلى إلي ركوة فيها عشرون حمصة، وقال لي:
ادخل الدير، فقد رأوا ما أدليت لك، فلما دخلت الدير، اجتمع النصارى حولي، فقالوا: يا حنيفي! ما الذي أدلى لك الشيخ؟. قلت: من قوته. قالوا: وما الذي تصنع به؟. نحن أحقّ به، فبعناه. قلت: بعشرين دينارا؛ فاشتروه، ثم رجعت إلى الشيخ، فقال: يا حنيفي! لو التمست منهم عشرين ألف دينار لأعطوك!. ثم قال: هذا عزّ من لا تعبده، فكيف عزّ من عبده؟. يا حنيفي! أقبل على ربك، ودع المجيء والذهاب.