فقاومني خاطري، وقال: بلى! إنك بخيل!. فقلت:" مهما فتح علي اليوم، لأدفعنه إلى أول فقير يلقاني! ".
قال: فبينا أنا أتفكر إذ دخل عليّ صاحب لمؤنس الخادم «١» ، ومعه خمسون دينارا، فقال: اجعل هذه في مصالحك. فأخذتها وخرجت. وإذا بفقير مكفوف بين يدي مزين، يحلق رأسه، فتقدّمت إليه، وناولته الصرة، فقال لي: أعطها للمزين. فقلت:" إنها دنانير! " فقال:" أو ليس قد قلنا إنك بخيل؟! ". فناولتها للمزيّن، فقال:" من عادتنا أن الفقير إذا جلس بين أيدينا لا نأخذ منه أجرا! ". قال: فرميتها في دجلة، وقلت:" ما أعزّك أحد إلا أذلّه الله".
وقال أبو محمد الحريري: مكثت عند الشبلي الليلة التي مات فيها، فكان ينشد طول ليلته هذه الأبيات «٢» :
كل بيت أنت ساكنه ... غير محتاج إلى السرج
وجهك المأمول حجتنا ... يوم يأتي الناس بالحجج
لا أتاح الله لي فرجا ... يوم أدعو منك بالفرج «٣»
ورآه بعض الصالحين بعد موته، فقال:" ما فعل الله بك؟ ".
فقال:" لم يطالبني بالبراهين على الدعاوي إلا على شيء واحد، وذاك أني قلت يوما: لا خسارة أعظم من خسارة الجنة ودخول النار. فقال لي:" وأي خسارة أعظم من خسران لقائي؟ ".
ورآه آخر في النوم فقال:" ما فعل الله بك؟ ".
فقال:" ناقشني حتى أيست، فلما رأى إياسي تغمّدني برحمته".