فلما أصبحنا أحببت أن أسمع صوته، فسألته عن ذلك؟ فأمر الغلام أن يحدو على جمل كان على بئر هناك، يسقى عليه، فحدا، فهام الجمل على وجهه، وقطع حباله، ولا أظن أني سمعت صوتا أطيب منه، ووقعت لوجهي حتى أشار عليه بالسكوت" «١» .
وأنشدوا في هذا المعنى:
إن كنت تنكر إن للأصوات فائدة ونفعا
فانظر إلى الإبل اللوات ... هنّ أغلظ منك طبعا
تصغي إلى حدو الحدا ... ة فتقطع الفلوات قطعا «٢»
وقال:" خرجت إلى مصر، فلما دخلتها قلت: أسلّم على الدقاق، فقصدته وسلّمت عليه، فقال:
من أين جئت يا أبا بكر!؟. قلت: من أيلة. فقال: إلى الرملة؟. قلت: لا يا سيدي إلى القلزم، وإليكم.
فقال:" جزت ذلك الطريق، خذ مني حكاية: أقمت فيه ثمانية عشر يوما تائها ما وجدت فيه شيئا أرتفق به، فلما كان بعد المدة، إذا أنا بسلطان قد ولي مصر يريد أيلة، فرأوا شخصي من بعيد، فأرسلوا فارسا يحملني إليه، فلما رأيت جمالا ورفقة طمعت نفسي، فلما تبينت أنهم جند أيست أن لي فيهم فرجا.
قال الشيخ: وما شيء من الطاعات لله تعالى إلا وهذا اليأس في هذا الوقت أحسن منه.
فقال الوالي:" هذا رجل تائه، قدموا إليه السفرة".
فقلت:" ليس إلى ذلك سبيل".
فقال: ويحك أنت على حال التلف!.
فقلت:" إن بيعتنا مع الله تعالى بمحل هذا لا نرضى رحلكم في المدن، ولا لكم نرضاه! وذلك أن العلم يلزمنا، ولو كنا في شدة.