للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسار ذكره في الآفاق، وتبعه خلق كثير، وهم" الطائفة العدويّة"، وجاوز حسن اعتقادهم فيه الحدّ، حتى جعلوه قبلتهم التي يصلّون إليها، وذخيرتهم في الآخرة التي يعوّلون عليها.

وكان قد صحب جماعة كثيرة من أعيان المشايخ، والصلحاء المشاهير، مثل عقيل المنبجي، وحماد الدباس، وأبي النجيب عبد القاهر السهروردي، وعبد القادر الجيلي، وأبي الوفاء الحلواني.

ثم انقطع إلى جبل الهكّاريّة، من أعمال الموصل، وبنى له هناك زاوية، ومال إليه أهل تلك النواحي كلها ميلا لم يسمع لأرباب الزوايا مثله.

قلت: وقد هاجر زين الدين ابن أخي الشيخ إلى البلاد، فأكرمت ملوكنا مقدمه، وأمر إمرة كثيرة، وانقطع في قرية تعرف ببيت فار «١» . وكان بها، وكان منغمسا في النعم والملاذ، يعيش عيش الملوك من اقتناء الغلمان والجواري والملابس، وتمد لديه أسمطة ملوكية.

وحكي أن بعض نساء القياصرة كانت مغراة بالشيخ زين الدين، مطنبة في تعظيمه، متغالية في الاعتقاد لصلاحه، وأنفقت عليه أموالا جليلة، وكانت غير مصغية إلى عذول يعذلها في حبه، وخواصّها يلومونها على تبذير أموالها، ويذكرون لها ما كان يتعاطاه من الأمور القبيحة، ولا يزداد إلا غيا وتماديا، فتوصلوا إلى أن حملوها في قفة، وأشرفوا بها عليه وهو عاكف على المنكرات، فما زادها ذلك إلا ضلالا، وقالت: أنتم تنكرون هذا عليه، إنما الشيخ يتدلل على ربه!، وضاعفت له الإنفاق، ولم تمسك خشية الإملاق.

وحكى لي شيخنا شهاب الدين أبو الثناء محمود الحلبي الكاتب رحمه الله تعالى، قال:

بعثت مع الأمير الكبير علم الدين سنجر الدواداري «٢» ، ليحلفه في أول الدولة الأشرفية؛

<<  <  ج: ص:  >  >>