فأتيناه وهو في قريته، مثل الملك في قلعته، للتجمل الظاهر، والحشمة الزائدة، والفرش الأطلس، وآنية الذهب والفضة، والعصار الصيني، وأشياء تفوت العد، إلى غير ذلك من الأشربة المختلفة الألوان، والأطعمة المنوعة فلما دخلنا عليه لم يحتفل بنا، وأتاه الأمير علم الدين، فقبل يده، وهو جالس لم يقم، فبقي الدواداري قائما قدامه يحدثه، وزين الدين يسأله، لا هو يجلس، ولا زين الدين يقول له اجلس، ثم أمره بالجلوس فجلس على ركبتيه متأدبا بين يديه، ثم أنعم علينا بجملة طائلة تقارب خمسة عشر ألف درهم.
قلت: وقد كان يحلف منهم الشيخ عز الدين أميرا، وأمّر، وبقي مدة أميرا بدمشق، ثم بصفد، ثم بدمشق، ثم ترك الإمارة، وآثر الانقطاع، وأقام بالمزة، وكانت الأكراد تأتيه من كل قطر بصفايا أموالها، تقربا إليه، ومنهم على ما حكى من كان يجلس بين يديه.
ثم إنه أراد الخروج على السلطان وتبعه طوائف الأكراد من كل بلد، وباعوا أموالهم بالهوان، واشتروا الخيل والسلاح، وآلات الحرب، ووعد رجالا ممن تبعه بالنيابات الكبار، ونزل بأرض اللجون، وأتى السلطان خبرهم، وأنهم على هذا لم يؤذوا أحدا في نفس ولا مال، وإنما يبيعون أموالهم بالرخص، ويشترون الخيل والسلاح بالغالي، فأمر تنكز نائب الشام بكشف أخبارهم، وقصّ آثارهم، وأمسك السلطان من كان بالزاوية العدوية بالقرافة.
واختلفت الأخبار؛ فقيل: إنهم يريدون سلطنة مصر، وقيل: بل كانوا يريدون ملك اليمن، وقلق السلطان لأمرهم، وأهمه، إلى أن أمسك تنكز نائب الشام عز الدين المذكور، وأودع الاعتقال، حتى مات، وفرق الأكراد، ولو لم يتدارك لأوشك أن يكون لهم نوبة.
ومولد الشيخ عدي بقرية يقال لها" بيت فار" من أعمال بعلبك، والبيت الذي ولد فيه يزار إلى الآن «١» .
وتوفي سنة سبع، وقيل: سنة خمس وخمسين وخمسمائة «٢» ، في بلده بالهكارية،