وحدثني علي بن عبد الله المعروف بالبديع أنه سمع محمد بن يونس بن محمد بن مالك القاضي بالموصل يحكي عن أبيه أن أحد المؤذنين بجامع الموصل حدّثه قال: خرجت يوما خارج البلد، فرأيت قضيب البان ماشيا في همّة، فقلت: والله لأتبعنه اليوم، فمشيت وراءه نحو ساعة، وأنا لاه، ثم نظرت فأنكرت الطريق التي نحن بها، والأرض التي نحن فيها، وإذا نحن في أرض لا أعرفها، وإذا أمامنا نهر يصغر دجلة عنده، وحوله أشجار ليست بأرضنا، فبهتّ، وخررت، ولم أجسر على خطابه، فأتى قضيب البان النهر، فجلس، وجلست ناحية منه، فنزع ثابه ونزل النهر، فاغتسل ثم خرج، فقام يصلي، واشتدّت عليّ الهاجرة، ولم يكن ذلك زمان حر، فأتيت شجرة ذات ظل، فنمت، فلما قمت لم أر قضيب البان!، ولا من أسترشد به، فبينما أنا في ذلك، وإذا براع يرعى معزى، فقمت إليه، فحدّثته، فإذا هو أعجميّ لا يعرف العربية، فصبرت، واستعنت، فأقبل رجل كهل، فقمت إليه وسألته عن ذلك الموضع؟ فقال: بأرض الهند! في مكان كذا، وهو نهر كذا!.
فقلت له: فكم بيني وبين الموصل؟.
فقال: وأين الموصل؟. وذكر شهرا!.
فصحت صيحة كاد ينفطر معها قلبي، فقال لي الشيخ: ويحك! مالك؟. فحكيت له حالي، وأنني خرجت في يومي هذا من الموصل، لأتقضى، فرأيت مولّها عندنا ماشيا، فتبعته، لأبصر أين يذهب؟، فأتى بي إلى هنا، ونزل فاغتسل، وقام يصلي إلى تلك الشجرة، واشتدّ عليّ الحر فنمت، فلما قمت لم أجده، فقال: اعلم أنّي مارّ، في هذه الأرض، ولست منها، وسأل الراعي، قال: فحدّث الراعي بالهندية، وكان رجلا هنديا، فقال له: هذا رجل يأتي كل يوم إلى هنا، فيغتسل ويقوم هنا، فيتعبّد عبادات يدين بها، مما لا نعرفه نحن، ثم يذهب كما يأتي!.
قال: فبتّ بأصعب ليلة مرّت بي، فلما كان في اليوم الثاني، جاء قضيب البان ففعل مثل ما فعله، وألقي عليّ النوم، فجعلت أغالبه، فلما قضى صلاته، قمت إليه، وشكوت