ولما قدمت حلب سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة، رأيت هذا الشيخ وقد جاء إلى الطنبغا ملك الأمراء، مسلّما عليه، فرأيت رجلا يملأ العين والصدر سيماؤه على جلالة القدر.
ولما اجتمع بالطنبغا أكرمه إكراما يليق بمثله، وعامله معاملة عارف بفضله، إلا أن الشيخ أنكر عليه ما فعله بطشتمر، وخوّفه عاقبة البغي، ويوشك أن يؤخذ قريبا، فثقل عليه كلامه، وقام الشيخ وقد طال عليه مقامه هذا، ولم نأت الأخبار بقصد الفخري دمشق، إلا أنه قد طاح إلي الخبر سرا، ولم نظهر عليه أحدا، إلا أنا والطنبغا. ثم لم نلبث أن جاءت الأخبار، فلما كان يوم الجمعة الآتية في أسبوع قدومنا، صلينا الجمعة في جامع الطنبغا، قريبا من سوق الخيل بحلب، فقيل لي: إن الشيخ في بيت له، فدخلت، وجلست إليه، وأخذنا في الحديث، فقال لي: يا أخي! هذا الرجل قد آن أن يطل دمه، وأرى النصح لا يلج أذنه، فعرفته خبر الفخري، وما كان منه، فقال: هذا الرجل ينهزم من قدامه كما انهزم طشتمر من قدام هذا، ثم يقتل هذا، وكان الأمر كما ذكر. ثم إن الشيخ لم يجتمع بالطنبغا، بعد تلك المرة، وحرض به أن يعود إليه، فما عاد، وهمّ بأن يتوجه لزيارته، فعاقت دون ذلك العوائق.
قلت: وأهل هذا البيت لهم زرع ومتجر، ومنه ينفقون نفقات موسعة، وكانت قد تأكدت بيني وبينه الصحبة في الله تعالى، منذ تلاقينا بحلب.
ومما كتبت به إلى رجلين سافرا إلى حلب:
بالله إن جئتما بلادا لها ... ابن نبهان كالحلي
تأملا منه أي بر ... وفيه يخر لكل ري
وعارضا النو في رباه ... وقبّلا عارض الولي
ثم لم تلبث الأخبار أتت بوفاته، وتوفي رحمه الله تعالى سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة.
ومما كتبت فيه أعزي بيته من قصيدة وافق فيها تضمين بيت أبي تمام الرابع: