للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبوه وهو غلام، وفسّر عن لؤلؤته صدف الظلام، حتى بلغ الاحتلام، ويده بالخير وارتحل، وصابر الأيام فتسترت الليالي وتبرقعت بالحجل، فرويت آثار أياديه، ونقلت أخبار سؤدده بألسنة أصدقائه وأعاديه، وكان يقوم والليل لم يطمئن له جنوب، ويروّض نفسه والروض لم يشق فيه للشقيق جيوب، بعلم يفلح به الحجاج محتكم، ويخرج في حربه والعجاج مرتكم. وكان له في مجاهدة النفس حروب، ونوّب حتى حان منه للشمس غروب «١» .

وحكي أنه لما قدمت إليه المائدة يوما فقال: أخّروها، وكان هناك فقير جائع، فقال في نفسه: لو كان هذا فقيرا ما أخّر المائدة. فلما حضرت تقدّم فأكل منها أكلا يسيرا، فأكل ذلك الفقير، وسائر الجماعة، فلما رفعوا أيديهم قال الشيخ لخادمه: شل من هذا الخبز والطعام لفقير يأتينا في هذه الساعة، وهو جائع، قد أخّرنا المائدة لانتظاره، فظنّ ظانّ فينا ظنا. فشال الخادم منها شيئا، فقال الشيخ: زد!، فهذا ما يكفي. فزاد، فقال له: زد!، فهذا ما يكفي.

فقال له: يا سيدي! أنت قلت: رجل واحد، وهذا فوق كفاية الواحد، فقال: صدقت، هو رجل واحد، ولكن له ثلاثة أيام لم يأكل شيئا.

ثم لم يستتمّ الكلام حتى أتى الفقير، فسلّم على الشيخ، والجوع يتبين في وجهه، فقدم إليه الخادم ما خبّأه له؛ فأكله حتى أتى عليه عن آخره، ثم قال: والله! لي ثلاثة أيام

<<  <  ج: ص:  >  >>