معها من السكر النبات، واخلطهما، ثم افتح الأوراق، وذرّ ذلك بينهما، ثم أطبق الكتاب، وثقّله، ودعه يوما وليلة، ثم افتحه، وانفضه، فإنه يذهب الزيت، ويعود إلى حاله الأول.
قال: ففعلت، فكان كما قال.
وحكى شيخنا الكندي عنه أنه كان يقول:" اللهم! ارزقني شهوة الحب، لا الحب، حتى أكون منعّما أبدا". قال: وفي هذا يقول:
ولما رأيت الحب يعظم قدره ... وما لي به حتى الممات يدان
تعشقت حب الحب فيه ولم أقل ... كفاني الذي قد نلت منه كفاني
وحكى عن بعض أشياخه أنه قال: بلغني في عموم الأخبار أنه من قرأ اثني عشر ألف مرة سورة الإخلاص بسبب أسير فرّج الله عنه، وفكّ أسره.
فنزلت مرة في مركب، وفيه ملّاح، فسمعني أذكر هذا الخبر، وكان ولده مأسورا، ولم أعلم ذلك، ثم فارقته، وبقيت مدة، وجئت إلى النهر لحاجة عرضت.
فلما رآنا قام، وقدّم مركبه، وقال: هذا لك. تركب أنت ومن معك بغير أجرة، فسألته عن موجب إكرامه، فقال: ما تذكر لما ذكرت في ذلك الحديث الذي ورد في تلاوة سورة الإخلاص اثني عشر ألف مرة، بسبب المأسور؟.
فقلت: نعم.
فقال لي: كان ولدي هذا مأسورا حينئذ، وإني فعلت ذلك، فلم أشعر بعد أيام إلا وولدي داخل علي، وكان قد قطع عليه حملة كثيرة كنت أعجز عن بعضها، ويئست من خلاصه، فلما رأيته سررت بخلاصه، وشكرت الله، ثم سألته عن السبب في خلاصه؟.
فقال: ما أعلم سببا، إلا أني كنت في اليوم الفلاني- ثم ذكر ذلك الوقت الذي كملت فيه التلاوة- قاعدا، وإذا بالقيد سقط من رجلي، بإذن الله، فلما رأيت قمت، وانصرفت، فلم يعارضني أحد، فاختفيت نهارا، وسرت ليلا حتى وصلت إليكم بحمد الله. وهذا ببركة ركوبك في مركبي، فكيف لا أرعى حقك علي؟.