للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للصلاة، وأنا خلفه، فرأيت شيئا من قشور الموز مطروحا في الوادي، وهو طري. فقلت في نفسي: آخذ منه كفا أو كفّين، أتركه في كمي لا يراني الشيخ. فلما صرنا في الجبل، وانقطعنا عن الناس، التفت إلي وقال: اطرح ما في كمك يا شره!، فطرحته، وأنا خجل، وتوضّأنا للصلاة، ورجعنا إلى المسجد، وصلينا الظهر والعصر والمغرب والعشاء، فلما كان بعد ساعة إذا أنا بإنسان قد جاء ومعه طعام عليه مكبّة، فوقف ينظر إلى ذي النون، فقال له:

مرّ. فدعه قدّام ذاك، وأومأ بيده إلي، فتركه الرجل بين يدي، فانتظرت الشيخ ليأكل، فلم يقم من مكانه، ونظر إلي وقال لي: كل، فقلت: وحدي؟. فقال: نعم، أنت طلبت، نحن ما طلبنا، يأكل الطعام من طلبه، وأقبلت آكل وأنا خجل مستح مما جرى مني.

توفي ذو النون المصري سنة خمس وأربعين ومائتين. وقيل: سنة ثمان وأربعين ومائتين.

وقال أبو بكر محمد بن ريان الحضرمي: لما مات ذو النون بالجيزة، حمل في قارب؛ مخافة أن تنقطع الجسور من كثرة الناس مع جنازته، وكنت قائما مع الناس على كوم أنظر، فلما رجع من القارب، ووضع على الجنازة، وحمله الناس، رأيت طيورا خضرا قد اكتنفت الجنازة، ترفرف عليه، حتى عطف به إلى عند حمام الغار، وغاب عني.

حكى في" مناقب الأبرار" عن يوسف بن الحسين «١» قال: بلغني أن ذا النون يعلم اسم الله الأعظم، فخرجت من مكة قاصدا إليه، حتى وافيته في حدة، فأول ما نظرني رآني طويل اللحية، وفي يدي ركوة طويلة، متزرا بمئزر، وعلى كتفي مئزر، وفي رجلي [ ... ] «٢» ، فاستبشع منظري، فلما سلمت عليه كأنه ازدراني، وما رأيت منه تلك البشاشة، فقلت في نفسي: ترى مع من وقعت؟ وجلست عنده، فلما كان بعد يومين أو ثلاثة، جاءه رجل من المتكلمين فناظره في شيء من الكلام، واستظهر على ذي النون وغلبه، فاغتممت لذلك، وتقدّمت، وجلست بين أيديهما، واستملت المتكلم إلي وناظرته حتى قطعته، ثم دققت حتى لم يفهم كلامي، قال: فعجب ذو النون من كلامي، وكان

<<  <  ج: ص:  >  >>