للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«١» وهؤلاء طائفة؛ كثيرة العدد، ومنهم فرق مفرقة في البلاد، وفيهم ملك وإمارة، وإقدام وشطارة، ولهم خفة في الحركات، وصدق في القول، يقف الرجل منهم إلى جانب البناء المرتفع، ويلصق بطنه بأحد الزوايا القائمة به، ثم يصعد فيه إلى أن يرتقى صهوته، العليا، ومنهم من يخالس الرجل ماله، ويأخذه منه، وهو لا يدري.

وربما أمسك الرجل منهم، وضرب بالسياط، وعوقب أشد العقاب، فلا يقر أنه أخذه، ولا يعرفه، فإذا حلف بستر الله، وأقسم عليه به، أقر واعترف.

وفي بلاد مصر والشام منهم طوائف، وفي بلاد الشامية معظمهم، ولهم في هذا وقائع مشهورة، وأحوال مشهودة.

وما يحكى أن السلطان صلاح الدين أبا المظفر يوسف بن أيوب [١] رحمه الله، حضر إليه رجل منهم، وأظهر له أشياء من أفعاله اللطيفة، وحركاته الخفيفة، حتى أنه وقف إلى جانب بناء مرتفع، وارتفع والتصق به، وارتفع حتى استوى على أعلاه، وصلاح الدين رحمه الله يظهر العجب من شطارته، وخفة حركته، وقدرته على ما لا يقدر عليه مثله، فلما نزل خلع عليه، وأكرمه، وحمله على فرس وأقطعه أقطاعا جليلا، وقال له: اشتهى أن يكون عندنا جماعة منكم، فإننا ما نستغنى عنكم لنتوصل بكم (المخطوط ص ١٣٦) إلى حصون الأعداء [٢] .

فبقى هذا اللرى [٣] يجلب له واحدا بعد واحد ممن يقدر على هذا منهم، فكلما جاء واحد منهم أكرمه صلاح الدين، وخلع عليه، وأقطعه الأقطاع، حتى لم


[١] صلاح الدين الأيوبي: تولى وزارة العاضد لدين الله الفاطمي عقب وفاة أسد الدين شيركوه، وفي سنة ٥٥٧ هـ أسقط اسم العاضد من الخطبة، وأسس دولة الأيوبيين التي حكمت مصر والشام حتى قيام دولة المماليك (انظر روضة الصفا ٢٣١- ٢٣٢) .
[٢] وردت بالمخطوط الحصون الأعداء.
[٣] اللرى نسبة إلى اللر هي اللار وهي من بلاد إقليم فارس تقع قرب شيراز وهي أيضا اللور.

<<  <  ج: ص:  >  >>