يبق أحد منهم، وبقى مدة لم يحضر أحدا إلى صلاح الدين، فقال له: لأي شيء ما عدت جبت «١» لنا أحدا؟ فقال: والله يا مولاي ما بقى أحد يقدر على هذا مثلنا، فلما تحقق صلاح الدين في ذلك، أسرها في نفسه، ثم جمعهم، وأوقف خلف كل رجل منهم رجلا، وأومأ إليه، فضربوا رقاب أولئك النفر، لأن صلاح الدين لما رأى ذلك [١] . فزع منهم على نفسه، وخاف إن هو قتله وجده، يبقى وراءه من يفعل مثل فعله، فاحتال عليهم بذلك لئلا ينزل عليه أحدهم فيقتله به.
وأما ما يروى من مشى هذه الطائفة على الحبال المنصوبة، على قامات من الأرض، وانقلابهم عليها في الهواء، حتى يصير رأس الرجل منهم منكوسا إلى الأرض، ورجله متعلقة بالحبل ثم يستوى على قامته، ثم يمشي على الحبل بالقبقاب، ويلعب فوقها بالمخاريق، ما تحار له الألباب، ويحاك فيه نوادر العجب العجاب، وإن نساءهم يفعلن «٢» ، وتركضها أشد مركض، ثم تطيح عنها في قوة جريها إلى الأرض ثم تثب عليها فيستوى على ظهرها، ثم تصير حزاما لبطنها، ثم تنزل صهوة الفرس، وتعنق العنق تارة من أعلاها وتارة من تلقاء صدرها إلى غير ذلك من عجائب الأفعال وغرائب الخفة في المجال.
ودأب من هو منهم في الشام أحد ما قدروا عليه ووصلت أيديهم إليه، وقد عرف صبرهم على الضرب، فما بقى يضرب، أحد منهم إذا اتهم بل يحلف بستر الله ويقسم عليه به، فيقر، ويعترف، ويرد ما أخذه، ويقول: نحن نأخذ قبيح، ونحن نرد مليح «٣» .