قال ابن خلّكان: أخبرني بعض أصحابه: أنه ترنم يوما وهو في خلوة ببيت الحريري- صاحب" المقامات"- وهو:
من ذا الذي ما ساء قط ... ومن له الحسنى فقط
قال: فسمع قائلا، ولم ير شخصه، وقد أنشد:
محمد الهادي الذي ... عليه جبريل هبط «١»
وله ديوان شعر لطيف، وأسلوبه فيه رائق، ينحو منحا طريقة الفقراء، وله قصيدة مقدار ستمائة بيت على اصطلاحهم، وكان يقول: عملت في النوم بيتين، وهما:
وحياة أشواقي إلي ... ك وحرمة الصبر الجميل
لا أبصرت عيني سوا ... ك ولا صبوت إلى خليل
وحكي أنه لما رأى السهروردي بمكة أنشده بديها:
في حالة البعد روحي كنت أرسلها ... تقبّل الأرض عني فهي نائبتي
وهذه نوبة الأشباح قد حضرت ... فامدد يمينك كي تحظى بها شفتي
ويحكى أنه رأى جملا هام به وكلف، وكان الجمل لرجل سقّاء يسقي عليه، وكان الشيخ يأتي لمورده كل يوم ليراه.
قلت: وحكى لي شيخنا شهاب الدين أبو الثناء محمود، قال: قدم ابن الفارض فنزل بمسجد مهجور في آخر باب القرافة، ومعه خادم له، فبقيا ثلاثة أيام لم يطعما طعاما، فعظم بالخادم الجهد، والسغب، فأتى رجل من الأمراء المسجد، فصلى فيه، ثم رمى إلى الشيخ بخرقة فيها عشرة دنانير، ففرح الخادم وهمّ بأخذها، فمرّ سائل، فقال له الشيخ: أعطه الذهب، فقال: لو خلّينا منه ما نأكل به؟!. فقال: أعطه الذهب، فأعطاه. فلم يمض السائل حتى أتى آخر يسأل عن الشيخ، فلمّا رآه سلّم وقال: أريت البارحة في النوم من دلني على