مكانك، وأمرني بالمسير إليك، ودفع إليه خرقة مثل تلك الخرقة فيها مائة دينار، فقال الشيخ لخادمه: إن شئت فخذ هذا الذهب وانصرف عني، فقال: لا والله لأتبعك بهذا، فقال:
بارك الله فيك، قم فاشتر بدينار حصرا لهذا المسجد، وبدينار ما أحببت من الأكل، وتصدّق بالبقية، ففعل، وأتى بأنواع من الشواء والحلواء، وغير ذلك، فأكل، واقتصر الشيخ على أكل كسرة، وبقل، وقال: لو لم تحل لي الميتة لم آكل!. ثم أقام ثلاث سنين لا يأكل إلا بعد كل ثلاثة أيام أكلة واحدة، غير باغ ولا عاد.
وحكي أن ابن الفارض كان قاضيا؛ فأتى يوما المسجد الجامع، والخطيب يخطب يوم الجمعة، وشخص يغني، فنوى إقامته وتأديبه، فلما انقضت الصلاة، وانتشر الناس وأراد ابن الفارض الخروج، ناداه ذلك الرجل: أن أقبل!، فلما وقف عليه أنشده:
قسم الإله الأمر بين عباده ... فالصّبّ ينشد والخلي يسبّح
ولعمري التسبيح خير عبادة ... للناسكين وذا لقوم يصلح
وكان هذا سبب زهده.
مولده: في الرابع من ذي القعدة، سنة ست وسبعين وخمسمائة، بالقاهرة، وتوفي بها يوم الثلاثاء ثاني جمادى الأولى سنة اثنتين وثلاثين وستمائة، ودفن من الغد بسفح المقطم.
وأبوه يعرف بالفارض أنه كان يكتب الفروض للنساء على الرجال. ومن مختار شعره [من البحر الكامل] :-
أرج النسيم سرى من الزوراء ... سحرا فأحيا ميت الأحياء
أهدى لنا أرواح نجد عرفه ... فالجو منه معنبر الأرجاء
وروى أحاديث الأحبة، مسندا ... عن إذخر بأذاخر وسحاء «١»
فسكرت من ريا حواشي برده ... وسرت حميّا البرء في أدوائي