قال ابن مليح: والله الذي لا إله إلا هو، لم أكن قد أطلعت أحدا على ما نويت ولا على ما كنت قد اشتهيت. وأخباره في مثل هذا كثيرة.
وكان- على ما ذكر لي- رجلا مبدنا. ربعة من الرجال، حسن الشكل، منوّر الصورة، جميل الهيئة، حسن الخلائق، يحفظ القرآن الكريم، و" التنبيه" في مذهب الشافعي، وكان فقيه النفس، مختصرا لكثير من المسائل، يتلو في أكثر الأوقات، ويفتي من استفتاه من غير أن يكتب خطه بشيء، وكان لا يرد نفسه عن الشفاعات إلى أرباب الدولة، وحاشية السلطان، وشفاعاته مقبولة، والوسائل به لا ترد.
وقد زعم قوم أن هذه الكرامات إنما كانت بصناعة مقررة بينه وبين قاضي فوّه، فإنهما كانا روحين في جسد واحد، وكان قد تحصّن بالشيخ، فلا يقدر قاضي القضاة ولا أحد غيره على عزله، وطال ذيله، وأكثر من تسجيل البلاد والتجارة، والولاة ترعاه إما للاعتقاد في الشيخ، أو لرجاء العناية من الشيخ بهم عند الدولة، فتمت أمواله، وصلحت حاله، واتسعت دائرة سعادته، فلم يبق له دأب إلا تلقي من يصل من ذوي الأقدار قاصدا زيارة الشيخ، لأن" فوّه" طريق" منية المرشد"، فإذا وصل الزائر أنزله وأضافه، وشرع في محادثته، ومحادثة من معه، حتى يقف ما في خواطرهم اقتراحه على الشيخ، ثم يبعث به إلى الشيخ، على دواب مركزه في الطريق بينهما، وعدة من الأوصاف بما لعله لا يكون عنده، ثم يعطيه حلية كل رجل من المذكورين واسمه!.
قالوا: فكان بهذه الصنعة تم له ما أراد، فيشهد له من أتاه بما كان في نفسه، ويقول غيره بالتقليد كعادة العوام في ذلك، وعندي في كل أمره نظر، ولو رأيته لكنت وقفت على بعض الخبر.
وبالجملة فكان ذا فضل وبرّ، ومعروف، ومذهب غير مألوف، رحمه الله تعالى.