وكان- رحمه الله- فيلسوفا كاملا، وإماما فاضلا، بحرا منه يغرف، وحبرا له يعرف، قد أتقن العلوم الرياضية، زكي النفس، قويّ الذكاء، متجنّبا عن الدنيا، مقتنعا منها بما يقوم به أوده «١» ، ويسير سيرة الفلاسفة المتقدّمين، وكان له قوة في صناعة الطب، وعلم بالأمور الكلية منها، ولم يباشر أعمالها، ولا حاول جزئياتها.
قال ابن أبي أصيبعة:" وحدّثني سيف الدين أبو الحسن علي بن أبي علي الآمدي «٢» - رحمه الله تعالى-: أن الفارابي كان في أول أمره ناطورا في بستان بدمشق، وهو على ذلك دائم الاشتغال بالحكمة والنظر فيها، والتطلع إلى آراء المتقدمين وشرح معانيها، وكان ضعيف الحال، حتى إنه كان في الليل يسهر بالمطالعة والتصنيف، ويستضيء بالقنديل الذي للحارس، وبقي كذلك مدة.
ثم إنه عظم شأنه، وظهر فضله، واشتهرت تصانيفه، وكثرت تلاميذه، وصار أوحد زمانه، وعلّامة وقته. واجتمع به الأمير سيف الدولة أبو الحسن علي بن