وقال القاضي صاعد بن أحمد بن صاعد، في كتاب" التعريف بطبقات الأمم": إن الفارابي أخذ صناعة المنطق عن يوحنا بن جيلان «١» ، المتوفى بمدينة السلام في أيام المقتدر، فبزّ «٢» جميع أهل الإسلام فيها، وأربى عليهم في التحقيق بها، وشرح غامضها، وكشف سرّها، وقرب تناولها، وجمع ما يحتاج إليه منها في كتب صحيحة العبارة، لطيفة الإشارة، منبّهة على ما أغفله الكندي وغيره، من صناعة التحليل، وإيحاء التعاليم. وأوضح القول فيها عن موادّ المنطق الخمس، وإفادة وجوه الانتفاع بها، وعرّف طرق استعمالها، وكيف تصرف صورة القياس في كل مادة منها. فجاءت كتبه في ذلك الغاية القصوى، الكافية، والنهاية الفاضلة.
ثم له بعد ذلك كتاب شريف في إحصاء العلوم، والتعريف بأغراضها، لم يسبق إليه، ولا ذهب أحد مذهبه فيه، لا يستغني طلاب العلوم كلها عن الاهتداء به، وتقديم النظر فيه.
وله كتاب في" أغراض فلسفة أفلاطون وأرسطوطاليس". يشهد له بالبراعة في صناعة الفلسفة والتحقيق بفنون الحكمة، وهو أكبر عون على تعلم طريق النظر، وتعرّف وجوه الطلب، اطّلع فيه على أسرار العلوم، وثمارها علما [علما] ، وبين كيف التدرج من بعضها إلى بعض [شيئا فشيئا] .
ثم بدأ بفلسفة أفلاطون، فعرف غرضها منها، وسمّى تواليفه «٣» فيها.
ثم أتبع ذلك بفلسفة أرسطو، فقدّم له مقدّمة جليلة، عرف فيها بتدرجه إلى