للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بنا قرار، ولا يقتدح من غير سنابك الخيل نار، ولا نقيم إلا بقدر ما يتزيد الزائر من الأهبة، أو يتزود الطائر من التغبة، تحمل همنا الخيل العتاق، ويكبوا البرق خلفنا إذا حاول بنا اللحاق، وكان السلطان من حلب قد أمر جميع عساكره بإدراع لامات حربهم، وحمل آلات طعنهم وضربهم، ورحلوا من حلب جرائد على الأمر المعهود، قد خفقوا كل شيء حتى عن السيف الغمود، فسرنا في جبال تشتهي فيها سلوك الأرض، وأودية تهلك الأسواط فيها إذا ملئت الفروج من الأرض، واستقبلنا الدرب كما قال المتنبي [١] : [الطويل]

رمى الدّرب بالخيل العتاق إلى الورى ... وما علموا أن السّهام خيول [٢]

فلما تجلى من دلوك وصنجة ... علت كل طود رنة وعويل [٣]

على طرق فيها على الطّرق رفعة ... وفي ذكرها عند الأنيس خمول [٤]

ومررنا من دلوك وهي رسوم باكية على سكانها، ضاحكة عن تبسم أزهارها، وتقهقه غدرانها، ذات بروج مشيدة، وأركان موطدة، ونيران تزاويق موقدة في عمد من كنائسها ممددة، وسرنا إلى مرج الديباج نتهادى، وذلك في ليلة مدلهمة ذات أندية، وإن لم تكن من جمادى، لا يثبت تربها تحت قدم المار وكأنما ساكنها يمشي على شفا جرف هار [٥] .

وبتنا نستخف بالنسبة إليها ليلة الملسوع، وتتمنى العين فيها هجمة هجوع،


[١]
رمى الدّرب بالجرد الجياد إلى العدا ... وما علموا أن السّهام خيول
(ديوان المتنبي شرح عبد الرحمن البرقوقي بيروت ١٩٨٠- ج ٣/٢٢١) .
[٢]
رمى الدّرب بالجرد الجياد إلى العدا ... وما علموا أن السّهام خيول
(ديوان المتنبي شرح عبد الرحمن البرقوقي بيروت ١٩٨٠- ج ٣/٢٢١) .
[٣]
بوجهك ما أنساكه من مرشّة ... يضيرك منها رنة وعويل
(ديوان المتنبي ٣/٢٢٨) .
[٤]
على طرق فيها على الطّرق رفعة ... وفي ذكرها عند الأنيس خمول
(ديوان المتنبي ٣/٢٢٢) .
[٥] إشارة إلى قوله تعالى: أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ
[التوبة، الآية: ١٠٩] .

<<  <  ج: ص:  >  >>