واضعه، حتى أعدت قراءته أربعين مرة «١» ، وصار لي محفوظا. وأنا مع ذلك لا أفهم المقصود به، وأيست من نفسي، وقلت: هذا كتاب لا سبيل إلى فهمه.
وإذا أنا في يوم من الأيام حضرت وقت العصر في الورّاقين وبيد دلّال مجلّد ينادي عليه، فعرضه عليّ، فرددته [ردّ] متبرّم!، معتقد أن لا فائدة في هذا العلم. فقال لي: اشتر مني هذا فإنه رخيص! أبيعكه بثلاثة دراهم!، وصاحبه محتاج إلى ثمنه «٢» .
فاشتريته؛ وإذا هو كتاب لأبي نصر الفارابي في:" أغراض كتاب ما بعد الطبيعة"!. فرجعت إلى بيتي، فأسرعت قراءته، فانفتح علي في الوقت أغراض ذلك الكتاب بسبب أنه كان لي محفوظا على ظهر القلب. وفرحت بذلك، وتصدقت في ثاني يوم بشيء كثير على الفقراء، شكر الله عز وجل.
وكان سلطان بخارى في ذلك الوقت نوح بن منصور، واتفق له مرض [أتلج]«٣» الأطباء فيه، وكان اسمي اشتهر بينهم بالتوفر على العلم والقراءة، فأجروا ذكري بين يديه، وسألوه إحضاري، فحضرت وشاركتهم في مداواته، وتوسمت بخدمته، فسألته يوما الإذن لي في دخول دار كتبهم، ومطالعتها، وقراءة ما فيها من كتب الطب. فأذن لي؛ فدخلت دارا ذات بيوت كثيرة «٤» ، في كل بيت صناديق من الكتب منضّدة بعضها على بعض، في بيت منها كتب العربية والشعر، وفي آخر الفقه، وكذلك في كل بيت كتب علم مفرد.