للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن جادة الهوى والتعصب برمزه، فصار يحضرني «١» شيئا بعد شيء من كتب أبي نصر، والإسكندر، وثامسطيوس، يؤنس بذلك نفاري، ويلين عريكة شماسي «٢» ، حتى عطفت عليه أقدّم رجلا وأؤخر أخرى.

وشاع أن صلاح الدين هادن الفرنج، وعاد إلى القدس. فقادتني الضرورة إلى التوجه إليه، فأخذت من كتب القدماء ما أمكنني، وتوجّهت إلى القدس، فرأيت ملكا عظيما يملأ العين روعة، والقلوب محبة، قريبا بعيدا، سهلا محببا، وأصحابه يتشبهون به، يتسابقون إلى المعروف، كما قال الله تعالى: وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍ

«٣» وأول ليلة حضرته، وجدت مجلسا حفلا بأهل العلم، يتذاكرون في أصناف العلوم، وهو يحسن الاستماع والمشاركة، ويأخذ في كيفية بناء الأسوار وحفر الخنادق. ويتفقه في ذلك، ويأتي بكل معنى بديع، وكان مهتما في بناء سور بيت المقدس وحفر خندقه، يتولى ذلك بنفسه، ويحمل الحجارة على عاتقه، ويتأسى به جميع الفقراء والأغنياء، والأقرباء والضعفاء، حتى العماد الكاتب، والقاضي الفاضل، ويركب لذلك قبل طلوع الشمس إلى وقت الظهر، فيأتي داره، فيمد السماط فيأكل ويستريح، ويركب العصر، ويرجع في المساء، ويصرف أكثر الليل في تدبير ما يعمل نهارا. فكتب لي صلاح الدين ثلاثين دينارا كل شهر، على ديوان الجامع، وأطلق لي أولاده رواتب حتى تقرّر لي في كل شهر مائة دينار.

ورجعت إلى دمشق وأكببت على الاشتغال وإقراء الناس بالجامع، وكلما أمعنت في كتب القدماء ازددت فيها رغبة، وفي كتب ابن سينا زهادة، واطّلعت

<<  <  ج: ص:  >  >>