أما ياسين فوجدته محاليا كذابا، يشهد للشاقاني بالكيمياء، ويشهد له الشاقاني بالسيمياء، ويقول عنه: إنه يعلم أعمالا يعجز موسى بن عمران- عليه السلام- عنها، وأنه يحضر الذهب المضروب متى شاء، وبأي مقدار شاء، وبأي سكة شاء، وأنه يجعل ماء النيل خيمة ويجلس فيها وأصحابه تحتها. وكان ضعيف الحال.
وجاءني موسى فوجدته فاضلا في الغاية، قد غلب عليه حب الرياسة، وخدمة أرباب الدنيا، وعمل كتابا في الطب جمعه من" الستة عشر" لجالينوس، ومن خمسة كتب أخر، وشرط أن لا يغير فيه حرفا، إلا أن يكون واو عطف أو فاء وصل «١» ، وإنما ينقله فصولا يختارها. وعمل كتابا لليهود سماه:" كتاب الدلالة"، ولعن من يكتبه بغير القلم العبراني. ووقفت عليه، فوجدته كتاب سوء يفسد أصول الشرائع والعقائد بما يظن أنه يصلحها. وكنت ذات يوم بالمسجد وعندي خلق كثير، فدخل شيخ رثّ الثياب، نيّر الطلعة، مقبول الصورة، فهابه الجمع، ورفعوه فوقهم، وأخذت في إتمام كلامي. فلما تصرّم المجلس، جاء إمام المسجد وقال: أتعرف هذا الشيخ؟. هذا أبو القاسم الشارعي.
فاعتنقته، وقلت: إياك أطلب، فأخذته إلى منزلي، وأكلنا الطعام، وتفاوضنا الحديث، فوجدته كما تشتهي النفس، وتلذّ العين. سيرته سيرة الحكماء العقلاء، وكذا صورته، قد رضي من الدنيا بالقليل، لا يتعلق بشيء منها يشغله عن طلب الفضل، ثم لازمني، فوجدته قيما بكتب القدماء، وكتب أبي نصر الفارابي، ولم يكن لي اعتقاد في هؤلاء لأني كنت أظن أن الحكمة كلها حازها ابن سينا، وحشاها كتبه، فكنا إذا تفاوضنا الحديث أغلبه بقوة الجدل، وفضل اللسن، ويغلبني بقوة الحجة، وظهور المحجة. وأنا لا تلين قناتي لغمزه، ولا أحيد