ثم لما ملك السلطان الملك العادل سيف الدين أبو بكر بن أيوب الديار المصرية، وأكثر الشام والشرق، وتفرّقت أولاد أخيه الملك الناصر صلاح الدين، وانتزع ملكهم، توجّه الشيخ موفق الدين إلى القدس، وأقام به مدة، وكان يتردّد إلى الجامع الأقصى، ويشتغل الناس عليه بكثير من العلوم، وصنّف هنالك كتبا كثيرة، ثم إنه توجّه إلى دمشق، ونزل بالمدرسة العزيزية «١» ، وذلك في سنة أربع وستمائة. وشرع في التدريس والاشتغال، وكان يأتيه خلق كثير، يشتغلون عليه، ويقرءون أصنافا من العلوم، وتميّز في صناعة الطب بدمشق، وصنّف في هذا الفنّ كتبا كثيرة، وعرف به. وأما قبل ذلك فإنما كانت شهرته بعلم النحو.
وأقام بدمشق مدة، وانتفع به الناس. ثم إنه سافر إلى حلب، وقصد بلاد الروم، وأقام بها سنين كثيرة، وكان في خدمة الملك علاء الدين داود بن بهرام «٢» صاحب أرزنجان، وكان مكينا عنده، عظيم المنزلة، وله منه الجامكية «٣» الوافرة،