المملوك إلى الوصول، ولبادر المبادرة بالمثول، ولجاء إلى شريف خدمته، وفاز بالنظر إلى بهي طلعته. فيا سعادة من فاز بالنظر إليه، ويا بشرى من مثل بين يديه، ويا هناء من حظي بوجه إقباله عليه، ومن ورد بحار فضله، روي من نميرها، واستضاء بشمس علمه، فسرى في أضواء منيرها. نسأل الله تعالى تقريب الاجتماع وتحصيل الجمع بين مسرّتي الأبصار والأسماع، بمنّه وكرمه، إن شاء الله تعالى".
ومن مراسلات الشيخ موفق الدين عبد اللطيف؛ أنه بعث إلى أبي في أول كتاب، وهو يقول فيه عني:
" ولد الولد أعز من الولد، وهذا موفق الدين ولد ولدي، وأعز الناس عندي، وما زالت النجابة تتبين لي فيه من الصّغر". ووصف وأثنى كثيرا وقال فيه:" لو أمكنني أنّي آتي إليه بالقصد ليشتغل عليّ لفعلت".
وبالجملة فإنه كان قد عزم أن يأتي دمشق، ويقيم بها، ثم خطر له أنه كان يحجّ قبل ذلك، ويجعل طريقه على بغداد، وأن يقدم بها للخليفة المستنصر بالله أشياء من تصانيفه.
ولما وصل إلى بغداد مرض في أثناء ذلك، وتوفي- رحمه الله تعالى- يوم الأحد ثاني عشر المحرّم، سنة تسع وعشرين وست مائة. ودفن بالوردية «١» عند أبيه، وذلك بعد أن خرج عن بغداد، وبقي غائبا عنها خمسة وأربعين عاما!. ثم إن الله تعالى ساقه إليها وأماته بها.
ومن كلام موفق الدين عبد اللطيف- مما نقلته من خطه- قال:
" ينبغي أن تحاسب نفسك كل ليلة إذا أويت إلى فراشك «٢» وتنظر ما اكتسبت