وإذا خلوت من التعلم والتفكر فحرّك لسانك بذكر الله تعالى، وبتسابيحه، وخاصة عند النوم، فيتشرّبه لبّك، ويتعجّن في خيالك، وتتكلم به في منامك.
وإذا حدث لك فرح أو سرور ببعض أمور الدنيا، فاذكر الموت، وسرعة الزوال، وأصناف المنغّصات، وإذا حزبك أمر فاسترجع «١» ، وإذا اعترتك غفلة فاستغفر، واجعل الموت نصب عينيك، والعلم والتقوى زادك إلى الآخرة، وإذا طلبت أن تعصي الله فاطلب مكانا لا يراك فيه!، واعلم أن الناس عيون الله على العبد، يريهم خيره وإن أخفاه، وشرّه وإن ستره، فباطنه مكشوف لله، والله يكشفه لعباده. فعليك أن تجعل باطنك خيرا من ظاهرك، وسرّك أصحّ من علانيتك، ولا تتألّم إذا أعرضت عنك الدنيا، فلو عرضت لك لشغلتك عن كسب الفضائل، وقلّ ما يتعلق في العلم ذو الثروة، إلا أن يكون شريف الهمة جدا. أو أن يثري بعد تحصيل العلم. وإني لا أقول إن الدنيا تعرض عن طالب العلم بل هو الذي يعرض عنها، لأن همته مصروفة إلى العلم، فلا يبقى له التفات إلى الدنيا، والدنيا إنما تحصل بحرص وفكر في وجودها، فإذا غفل عن أسبابها لم تأته. وأيضا فإن طالب العلم تشرف نفسه عن الصنائع الرذلة، والمكاسب الدنية، وعن أصناف [التجارات]«٢» ، وعن التذلل لأرباب الدنيا، والوقوف على أحوالهم.
ولبعض إخواننا بيت شعر:[الكامل]
من جد في طلب العلوم أفاته ... شرف العلوم دناءة التحصيل «٣»