قلت «١» : وحكى لي شيخنا الإمام شهاب الدين أبو الثناء محمود الحلبي الكاتب، قال: لحقت جماعة أدركوا شمس الدين الخويي، أيام قدومه دمشق، وحدّثوني أنه قدم في زيّ فقير صوفي، وكان يلعب ببعض آلات الطرب حتى عرف بذلك، وكان يستدعى به لأجل ذلك، والملك المعظّم صاحب دمشق إذ ذاك، فقيل له عنه، فأمر به فأحضر ولعب بين يديه، فأعجبه لعبه لإتقان صنعته، فجعله من ندمائه، فلما تردّد إليه ظهر له علمه، وتحقّق لديه فضله، فاختصّه بالمجالسة، وقرّبه منه، فلما خلا القضاء عيّنه له، فاستعفاه. فألزمه به حتى وليه.
فلما ولي القضاء انقطع عن الملك المعظّم، ففقده في أوقات أنسه، فقال له: مالك انقطعت هذه الليالي؟.
فجعل يعتذر، والملك المعظّم لا يقبل منه، ويحثّه على الملازمة على عادته.
فقال له: مولانا يعلم ما بقي يتعلق بي وبذمّتى من أقضية المسلمين وعقودهم، وما يجمل بي أن أظهر العدالة وأبطن الفسق وقد صرت قاضيا!.
ومولانا مخيّر إن شاء تركت القضاء وعدت إلى ما كنت عليه في خدمته، وإن شاء تركني على القضاء وأعفاني لأخلّص ذمّتي وذمّته.
فقال: بل استمر على القضاء، ودع ما سواه. فكان في غاية الخير حتى كأنه لم يكن ذاك.