عنه ما أثقل إصره من الديون التي اتخذها ذلك المنكر له عيبا، وانتهب له غيبا.
ثم قدم دمشق جامعا بين الخطابة والقضاء، وتصرّف في الإنفاق والإمضاء.
ثم لم تطل به المدة حتى طلبه السلطان إلى حضرته ثانيا، وولاه بحضرة القضاء، وأظهر به إذ كرهه نائبه الارتضاء، وكان له منه المنزلة الرفيعة، والمكانة التي ما ردت قط شفيعه، حتى حدثت هنات، وجنيت نيات، فأعاده إلى الشام على القضاء، فما لبث حتى حلّ به صرف القضاء.
وكان ممن قدّم وحصّل جانبا صالحا من الفقه واللغة، وعلم المعاني والبيان، وعلم الكلام، واعتنى به، وبرع فيه، وأتقن علم الحكمة إتقانا قلّ فيه من كان يدانيه.
واشتهر بحسن البديهة في المجالس والمدارس، ولم يك مقصرا في شان، ولا ثانيا من عنان. وتزيّد في دمشق إكبابه على الاشتغال وطلب العلم وتحصيله، وقراءة الكتب ومطالعتها، ومذاكرة العلماء ومباحثتهم.
حكي لي أنه كان لشدة حرصه يحضر بعض خزائن الكتب المشهورة الموقوفة، وكان خازنها لا يرى إخراجها إلى عارية أحد «١» ، فكان يقنع منه بأن يجلس عنده يومه كله لمطالعة ما يحتاج إليه منها، وأنه دام على هذا سنين كثيرة.
ولما قدم قاضي القضاة إمام الدين أبو حفص عمر قدم معه أخوه جلال الدين هذا، فلما ولي الحكم بدمشق ناب عنه، وسد خلل أخيه لنقص علم كان فيه، ثم لما ولي ابن صصري «٢» القضاء استنابه، ثم خاف منه، وقيل له: إنه اتفق هو