وهما عنده في يوم قد أضافهما فيه، واحتفل، فقال لي: أقم اليوم عندنا.
فأقمت، فرأيت من تنويع إكرامه لهما ما يتجاوز الوصف، ورأيتهما يتغامزان عليه، ويتحدثان فيه- إذا قام- بأنواع القبائح، وينسبان إليه غرائب الفضائح، فلما انصرفا تقدّمت إليه وقلت له: قد كان من إكرامك لهذين الرجلين ما لا يحد، وهما يفعلان كذا، ويقولان كذا، فما الذي يحملك على إنفاق مالك على من تكون هذه أفعاله في حقك؟، وهذا باطنه في أمرك؟. فقال لي: يا أخي! أنا- والله- أعلم منهما ما قلت، وفوق ما قلت. وإنما كيف عملي؟
هذان رجلان إمامان عالمان، فاضلان، جريّان، وما عندهما تقوى، وهذا ابن القلانسي كما تعرف، وإذا أراد استشهد كل أهل دمشق بأن النهار ليل، والليل نهار فعل! ولم يعجز. وهذا قاضي القضاة التقي سليمان الحنبلي قاض بطّاش، ويرى ضرري، وضرر أمثالي من الشافعية قربة، ولولا هذا- والله- ما داريتهما، ولكن أحتاج مع وجود هذه البلايا إلى مداراتهما من خلف أذني. قال: فسكتّ وعلمت عذره.
قلت: فلما مات ابن صصري وولي الزرعي، خاب أمل جلال الدين، وكان يظن أن المنصب لا يتخطاه، فكان هو وابن الزملكاني وابن القلانسي ممن حسّنوا في أمره ما حسّنوا، حتى سلقته الألسنة، وعزل.
ثم صمم السلطان على ولاية جلال الدين، وتنكز يعيبه، وآخر ما عابه بما عليه من الدّين، وبولده عبد الله، وما هو عليه من سوء السيرة. فطلبه السلطان وأوفى دينه، وترك عبد الله مقيما بمصر، وأعاد جلال الدين إلى دمشق حاكما كما تقدّم، فشرع في معاداة الكبراء، وإسخاط قلوب الرؤساء.
وأتاه رجل من الفقهاء بأبيات، فقال: الشعر للمجالس، والفقه للمدارس، وبقي النائب يعجبه وقوع مثل هذا منه ويظهر له الاستحسان له ليغري به الناس،