الجماعة وهم له تبع، فقام هو والعلامة مجد الدين أبو بكر التونسي «١» في درء هذه المظلمة، وإخفاء نجم ابن هلال الطالع في هذه الليلة المظلمة. فجمعا أهل الجامع الأموي ومن انضمّ تحت أعلام الخطابه، وأسرع إلى هذه الدعوة المجابه، وخرجوا بالمصحف العثماني والأثر النبوي، وكراي راكب في موكبه، قد شمخ العجب بهامته، فحين رآهم سأل عنهم، فلما أخبر الخبر جنّ جنونه، وظنّ ظنونه، فأمر الحاجب أن يأتيهم فيأمرهم بالرجوع بالمصحف والأثر، ويتقشّع سواد ذلك الجمع الذي حضر «٢» ، ثم يأتيه منهم من يعي عنه الخطاب، ويسمع منه الجواب، فأتاه الخطيب والتونسي، وقدّما إليه الإنذار، وأغلظا، ولا سيما التونسي في الإنكار، فأومأ إلى الخطيب ليضربه بيده، وأمر بالتونسي فرمي، وكشف عن جسده، ثم ضربه ضربا جاز أدنى الحد في عدده، فخرجا، والناس تتحرّق ولا ماء يطفي النار، وكان من العجب المقدر وغرائب الاتفاق التي تذكر أن السلطان كان قد أمر بإمساك كراي، وخرج المجهّز لإمساكه، ثم بقي في وثاق المحبس إلى حين هلاكه.
ويقال: إن التونسي كتب في ذلك اليوم له من الحروف ما كان من أسباب ما حلّ به من الصروف، أتي كراي بخلعة السلطان فركب بها، وجلس في الإيوان، فأحضر محضر ذلك التشريف معه كتابا قرئ وهو في تلك الحال، وقد ظنّ أن الدهر عن طباعه قد استحال، فإذا فيه المرسوم إلى الأمراء بإمساكه، فأمسك،