كتاب مسالك الأبصار في ممالك الأمصار

من الحكماء المشارق - ٣٧ - الشيخ شمس الدين الأصفهاني، وهو: محمود بن أبي القاسم بن أحمد، أبو الثناء - ج: 9 - ص: 243

فائته لو ارتجع، وهو الذي تشدّ إليه الرحال، وتجدّ إليه الرجال، وتمتطى إليه الهمم، ويخاض الليل وقتير الصباح ما دبّ في سواد اللمم، وتركب إليه الرياح، وتتخطى إليه الرماح، ولم يزل أهل الطلب تفارق فيه الكرى «١» ، وتشمّر الأهداب للسرى، وتنهض وقد أقعد الحرمان أكثر الورى، وتجول في طلبه الآفاق، وتجوب البلاد والنجوم في اللحاق، وتتفاوت في هذا ومثله رتب الطلب، وتتباين قصب العلم والطرب، ولأهل الحديث الشريف النبوي- زاده الله شرفا- في هذا الوسع مجال، وأنجع «٢» ركائب تأتي عليها رجال عجال، ويزداد في توسع ذيل الارتحال، وتوسيع أردية الأصل قبل حط الرجال، من تفقّه في الدين وتنبه وما له خدين «٣» ، واشتغل بمذهب أول الأئمة الإمام أبي حنيفة- رضي الله عنه- حتى ودّ شقيق الشفق لو نسب إلى نعمانه، ورفيق أول السلف لو تأخّر إلى زمانه، وظهر من فضائله ما وضح وضوح النهار، وأظهر فضوح البحر وفي قلبه النار، وجدّل الأقران لما ناظر، وعلّل السّبب في رقة النسيم بلطائفه لما حاضر، وتفتّح في هذا المذهب المذهب، وأذكى ضرام فهمه فيه فكاد يتلهّب، من دلّه علمه على أن:" طلب العلم فريضة على كل مسلم" «٤» ، وسبب السفور لجلاء كل مظلم، إذ كان العلم هو الذي يتماثل في وجوب طلبه المسلمون،