أسرارها، وخفايا أسفارها، وحيي به ما مات في لحود رممها، وفات بجمود هممها، واستقل بتلك الأعباء، فحصّل ما كان طالبا، وحسّن بإنفاقه ما جاء جالبا.
قرأ الطب على ابن النفيس، وغيره. وقرأ الحكمة، وآخر ما قرأ كتاب" الشفاء" لابن سينا على شيخنا الأصفهاني. كان يتردد إليه من القاهرة إلى الخانقاه القوصونية بالقرافة، لا يعنيه إلا القراءة عليه، ولم يزل حتى أكمله قراءة وبحثا، واستشراحا.
وكان طبيبا حكيما، فاضلا، متفلسفا، قائلا بالروحانيات، له ميل إلى النجامة، ومخاطبات الكواكب، وتطلع إلى الكيمياء، يتحدّث فيه، ويصحح قول المتقدمين في صحتها. وحكي لي أنه كان يصحب ابن أمير يعرف بابن سنقر الرومي، وأنه كان يعملها، وصحّت معه طرف منها.
وكان يحكى عن هذا ابن سنقر الرومي عجائب وغرائب منها أنه عمل له فسقية «١» معقودة في تربة له بالقرافة، لها منافس للهواء. فلما نجزت اتخذ له غذاء مركّبا مما يخف مقداره، وتكثر تغذيته، ونزل إلى تلك الفسقية، وأمره بتعهّده في كل أسبوع، ويجدّد له الماء، وأنه بقي يتعهّده كذلك. ولكّما أتاه بعد أسبوع، وجده قد تزايد ضعفه عما فارقه عليه، حتى كان رابع أسبوع- قال:
أو خامسه، الشك مني- أتيته فوجدته قد غارت عيناه، وخفت حسّه، حتى ظننت أنه قد مات، فحملته أنا وآخر كان قد أطلعه على حاله معي، وأخرجناه،