ونقّطنا في فمه نقطا من الشراب، وأذكينا عنده [ ... ]«١» لنغذوه بها، ثم لم نزل نتعهّده إلى أن نقطنا مرقة فرّوج في فمه، فأفاق ولم يكلّمنا، ودمنا على هذا حتى كلّمنا، وقال لي: لا جزاك الله خيرا!، حلت بيني وبين ما حاولته من الانتقال إلى ما كنت أريد الانتقال إليه إلى خير من هذا العالم، ثم قال: أدركني بفاصد «٢» . فقلت: والله لا أفعل. فقال: يا أخي! لا تفعل، أدركني به، ولا تدع ينزل من دمي إلا ما قلّ لترى العجب.
فأتيته بفاصد، ففصده، ولم أدعه ينزل من دمه إلا ما قلّ، ثم شددت يده.
فقال: احفظ هذا الدم في زجاجة، وسدّ رأسها لا يفسد بالهواء. ففعلت، ثم قال: ائتني بقرعة وإنبيق، فأتيته به، فأداره ثم سكب ذلك الماء عليه، فاستحال فضة بيضاء! فتركه عندي إلى أن عاد إلى معهود صحته، وقويت قواه، ثم خرجنا إلى جهة الخارقانية، وكان له بها تعلق، ثم أمرني أن أذهب إلى بلبيس «٣» لأبيع تلك الفضة، وآتيه من عرضها بمأكل، فذهبت بها إلى صائغ فأريته إياها وأنا خائف وجل، لا يظهر له منها عيب، فأخذها واعتبرها، فلما صحّت معه سارع إلى مشتراها مني، فأخذت من الثمن شواء وحلوا وفاكهة، وغير ذلك، وفضل معي ثمان مائة وثلاثون درهما- أو كما قال-، فأتيته بذلك فأكلنا، ثم قال:
خذ الدراهم، ولا جزاك الله خيرا لكونك تسببت في عودتي إلى تعب هذا العالم!.
قلت: وكان هذا الطبيب عارفا بالطبّ علما لا عملا، لا يحسن العلاج، ولا