للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ضعفا على ضعفه، وكانت له متاجر إلى إخميم «١» ، وقوص «٢» ، وأسوان، وسائر بلاد الصعيد. وكان يرى في نفسه الغضاضة لتقدم ابن المغربي عليه في رياسة الطب، ويتشكّى هذا إلى أصحابه، وسأل السلطان في الإعفاء من قطعه الخدمة فقال: لا، ما نعفيك، أنت عندنا عزيز كريم، ونعرف أنه أفضل من إبراهيم- يعني: ابن المغربي-، وأحق، ولكن إبراهيم صاحبنا، وله علينا حق خدمة، وطيّب قلبه، فاستمرّ، ورأى أنه لم يبق له إلا مصافاة ابن المغربي، فخطب إليه أخته فتزوّج بها لقصد الاستصلاح له، لا للزواج.

وكان رجلا مسّيكا، مفرط البخل، مقتّرا على نفسه، مضيّقا عليها مع عظيم القدرة والإمكان، وكان لا يأكل إلا من الظهر إلى الظهر، كما ذكرناه، أسوأ أكل، ويلبس أردأ ملبوس، ويركب حمير الكراء، ومع هذا كان من المعدّلين، يجلس مع الشهود الموقعين تحشّما لا تكسّبا، وله وجاهة عند الأمراء والوزراء والكبراء، والحكّام، معظّما في الصدور ويشار إليه بالأنامل، ولم يصنّف مصنّفا، ولا طلع له تلميذ، ولا عرف بغرابة في طبّه. وعرّف الدولة بما له قبل موته، وخلّف أموالا جمّة ورثها السلطان عنه.

قلت: وقد كان- رحمه الله- لنا صديقا صدوقا، وصاحبا ملاطفا، وكان يحدّثني بدقيق أمره وجليله، ويطلعني على ما عنده من تقديم الرئيس جمال الدين إبراهيم ابن المغربي عليه، وينسبه إلى أنه يتقصّد قتله واغتياله بالسم، والأمر خلاف ما ظنه، وضدّ ما توهّمه.

ولم يكن جمال الدين ممن يخافه لمكانة جمال الدين المكينة عند السلطان،

<<  <  ج: ص:  >  >>