له في سفري هذا- أعني فيما بين سرّ من رأى ودمشق- منفعة.
فسأل عنها، فأعلمته: أني كنت أذوق الماء في بعض المناهل، فأصبته مالحا، فآكل البصل النّيء ثم أعاود شرب الماء، فأجد ملوحته قد نقصت.
وكان عيسى قليل الضحك، فاستضحك من قولي، ثم رجع إلى إظهار جزع منه، ثم قال: يعزّ عليّ أن يغلط مثلك هذا الغلط، لأنك صرت إلى أسمج نكتة في البصل، وأعيب عيب فيه، فجعلتها مدحا ثم قال: أليس متى حدث في الدماغ فساد فسدت الحواس حتى ينقص حسّ الشمّ والذوق والسمع والبصر؟.
فأعلمته أن الأمر كذلك.
فقال لي: إن خاصّيّة البصل إحداث فساد في الدماغ، فإنما قلّل حسّك بملوحة الماء ما أحدث البصل في دماغك من الفساد!.
قال يوسف: وقال لي عيسى وقد شيّعني إلى الراهب وهو آخر كلام دار بيني وبينه: أن والدي توفي وهو ابن مائة سنة وخمس سنين، لم يتشنّج له وجه، ولم ينقص من ما وجهه، لأشياء كان يفعلها، وأنا الآن مزوّد كها فاعمل بها، وهي:" لا تذق القديد، ولا تغسل يديك ورجليك عند خروجك من الحمام أبدا إلا بماء بارد أبرد ما يمكنك، والزم ذلك فإنه ينفعك".
فلزمت ما أمرني به، [من هذا الباب إلا أني ربما مصصت القطعة الصغيرة من القديد في السنة، وفي الأكثر من ذلك]«١» .