فتعجّب وأمر الفتح بن خاقان أن يتتبع حال تلك الروائح، حتى يعرف صورتها.
فخرج يطوف، فوجد حول البيت من خارجه ومن سائر نواحيه وجوانبه أبوابا صغارا لطافا كالطاقات محشوّة بصنوف الرياحين والفواكه، واللخالخ، والمشامّ التي فيها التفاح والبطيخ المستخرج ما فيها المحشوة بالنمّام «١» ، والحماحم اليماني «٢» ، المعمول بماء الورد والخلّاف، والكافور، والشراب العتيق، والزعفران «٣» الشعر.
ورأى الفتح غلمانا قد وكّلوا بتلك الطاقات، مع كل غلام مجمرة فيها ندّ يسجره «٤» ، ويبخّر به البيت من داخله إزار من اسفيداج «٥» مخرّم خروما صغارا لا تبين، يخرج منها تلك الروائح الطيبة العجيبة إلى البيت.
فلما عاد الفتح وشرح للمتوكّل صورة ما شاهده، كثر تعجّبه منه، وحسد بختيشوع على ما رآه من نعمته، وكمال مروءته، وانصرف من داره قبل أن يستتمّ يومه، وادّعى شيئا وجده من التياث «٦» بدنه. وحقد عليه ذلك، فنكبه بعد أيام يسيرة، وأخذ له مالا كثيرا لا يقدّر، ووجد له في جملة كسوته أربعة