فقال: أيها الأمير! إذا كان قد مات فلن يضرّه الفصاد، فهل تأذن لي في فصده؟.
قال له: افعل يا أبا الحسن!. ففصده، فرشح منه دم يسير، ثم لم يزل يقوى الرشح إلى أن صار الدّم يجري، فأفاق الوزير!.
فلما خلوت به سألته عن الحال- وكان ضنينا بما يقول-؟.
فقال: إن من عادة الوزير أن يستفرغ في كل فصل ربيع دما كثيرا من عروق المعدة، وفي هذا الفصل انقطع عنه، فلما فصدته ثابت القوة من خناقها.
قال عبيد الله بن جبرائيل: لما دخل عضد الدولة- رحمه الله- إلى بغداد، إذ كان أول من لقيه من الأطباء أبو الحسن الحراني، وكان شيخا مسنّا، وسنان، وكان أصغر من أبي الحسن، وكانا عالمين فاضلين، وكانا جميعا يسعران «١» المرضى، ويمضيان إلى دار السلطان، فحسن ثناؤه عليهم، ولما دخلا على عضد الدولة قال: من هؤلاء؟. قالوا: الأطباء. قال: نحن في عافية، وما بنا حاجة إليهم. فانصرفا خجلين، فلما خرجا إلى الدهليز قال سنان لأبي الحسن: يجمل أن ندخل إلى هذا الأسد ونحن شيخان فيفترسنا؟.
قال له أبو الحسن: فما الحيلة؟. قال: نرجع إليه، وأنا أقول ما عندي، وننظر أيش الجواب؟. قال: افعل. فاستأذنا، ودخلا. فقال سنان: أطال الله بقاء مولانا، موضوع صناعتنا حفظ الصحة لا مداواة الأمراض، والملك أحوج الناس إليه.
فقال له عضد الدولة: صدقت. وقرر لهما الجاري السني، وصارا ينوبان مع أطبائه.
قال عبيد الله بن جبرائيل: ولهما أحاديث كثيرة حسنة، منها: حديث قلاء الكبود: وذلك أنه كان بباب الأزج إنسان يقلي الكبود، فكانا إذا اجتازا عليه دعا لهما وشكرهما، وقام لهما حتى ينصرفا.