للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلما كان في بعض الأيام اجتازا، فلم يرياه، فظنا أنه قد شغل عنهما، ومن غد سألا عنه؟ فقيل لهما: إنه الآن قد مات!. فعجبا من ذلك، وقال أحدهما للآخر: له علينا حق يوجب علينا قصده ومشاهدته، فمضيا جميعا وشاهداه، فلما نظراه، تشاورا في فصده، وسألا أهله أن يؤخروه ساعة واحدة، ليفكروا في أمره، ففعلوا ذلك، وأحضروا فاصدا ففصده فصدة واسعة، فخرج منها دم غليظ، وكان كلما خرج الدم خفّ عنه، حتى تكلّم وسقياه ما يصلح، وانصرفا عنه.

ولما كان في اليوم الثالث خرج إلى دكانه، فكان هذا من المعجز لهما، فسئلا عن ذلك؟ فقالا: سببه أنه كان إذا قلى الكبد يأكل منها، وبدنه يمتلئ دما غليظا وهو لا يحس، حتى فاض من العروق إلى الأوعية، وغمر الحرارة الغريزية، وخنقها كما يخنق الزيت الكثير الفتيلة التي تكون في السراج، فلما بدروه بالفصد نقص الدم، وخف عن القوة الحمل الثقيل، وانتشرت الحرارة وعاد الجسم إلى الصحة، وهذا الامتلاء قد يكون من البلغم أيضا، وقد ذكر أسبابه الفاضل" جالينوس" في كتابه في تحريم الدفن قبل أربع وعشرين ساعة.

قال عبيد الله بن جبرائيل: ومن أحسن ما سمعت عن أبي الحسن الحرّاني:

أنه دخل إلى قرابة الشريف الجليل محمد بن عمر- رحمه الله تعالى- وكان إنسانا نبيل القدر، قد عارضه ضيق نفس شديد، صعب، فأخذ نبضه، وأشار بما يستعمله، فشاوره في الفصد، فقال له: لا أراه وإن كان يخفف المرض تخفيفا بيّنا، وانصرف، وجاءه أبو موسى المعروف ببقّة الطبيب، وأبصر نبضه وقارورته، وأشار بالفصد، فقال له الشريف: قد كان عندي أبو الحسن الحرّاني الساعة، وشاورته في الفصد فذكر أنه لا يراه صوابا.

فقال بقّة: أبو الحسن أعرف!. وانصرف، فجاءه بعض الأطباء الذين هم دون

<<  <  ج: ص:  >  >>