هذه الطبقة، فقال: يفصده سيدنا الساعة، فإنه في الحال يسكن، وقوي عزمه على الفصد، ولم يبرح حتى فصده، فعند ما فصده خفّ عنه ما كان يجده خفا بيّنا، ونام وسكن عنه، واغتذى وهو في عافية، فعاد إليه أبو الحسن الحرّاني آخر النهار فوجده ساكنا قارّا، فلما رآه على تلك الحال قال له: قد فصدت؟.
فقال: كيف كنت أفعل ما لم تأمرني به؟.
قال: ما هو هذا السكون إلا للفصد!.
فقال له الشريف: لمّا علمت بهذا لم لا فصدتني؟.
فقال له أبو الحسن الحرّاني: إذ قد فصد سيدنا فليبشر بحمّى ربع سبعين دور، ولو أن بقراط وجالينوس عنده ما تخلّص إلا بعد انقضائها.
واستدعى دواة، ودرجا، ورتّب تدبيره لسبعين نوبة، ودفعه إليه، وقال: هذا تدبيرك، فإذا انقضى ذلك جئت إليك. وانصرف، فما مضى أيام حتى جاءت الحمّى وبقيت كما قال، فما خالف تدبيره حتى برأ.
قال عبيد الله بن جبريل: ومن أخباره أنه كان للحاجب الكبير غلام، وكان مشغوفا به، واتفق أن الحاجب صنع دعوة كبيرة كان فيها أجلّاء الدولة، ولما اشتغل بأمر الدعوة حمّ الغلام حمى حادة، فورد على قلب الحاجب من ذلك موردا عظيما، وقلق قلقا كثيرا، واستدعى أبا الحسن الحرّاني، فقال له: يا أبا الحسن! أريد الغلام يخدمني في غداة، اعمل كل ما تقدر عليه، وأنا أكافئك بما يضاهي فعلك. فقال له: يا حاجب! إن تركت الغلام يستوفي أيام مرضه عاش، وإلا فيمكنني من ملازمته أن يقوم في غد لخدمتك، ولكن إذا كان العام المقبل في مثل هذا اليوم يحمّ حمّى حادّة، ولو كان من كان عنده من الأطباء لم ينجع فيه مداواته، ويموت إما في البحران الأول، أو الثاني، فانظر أيهما أحب إليك؟.