النائية داره مرض مزمن، فقيل له: ليس لك إلا ابن التلميذ. وهو لا يقصد أحدا.
فقال: أنا أتوجّه إليه!. فلما وصل أفرد له ولغلمانه دورا وأفاض عليه من الجرايات قدر الكفاية، ولبث مدة، فبرئ الملك وتوجّه إلى بلاده وأرسل إليه مع بعض التجار أربعة آلاف دينار، وأربعة تخوت عتابي، وأربعة مماليك، وأربعة أفراس، فامتنع من قبولها، وقال: إن عليّ يمينا لا أقبل من أحد شيئا. فقال التاجر: هذا مقدار كثير. قال: لما حلفت ما استثنيت. وأقام شهرا يراوده ولا يزداد إلا إباء.
فقال له عند الوداع: ها أنا أسافر ولا ارجع إلى صاحبي، وأتمتع بالمال، فتتقلّد منّته وتفوتك منفعته، ولا يعلم أحد بأنك رددته!. فقال: ألست أعلم في نفسي أني لم أقبله؟ فنفسي تشرف بذلك، علم الناس أو جهلوا".
وحدّثنا الحكيم مهذّب الدين عبد الرحيم بن علي قال: حدّثني الشيخ موفق الدين أسعد بن إلياس بن المطران، قال: حدّثني أبي قال: حدثني أبو الفرج بن توما، وأبو الفرج المسيحي قالا:" كان الأجلّ أمين الدولة ابن التلميذ جالسا ونحن بين يديه-: استأذنت عليه امرأة ومعها صبيّ صغير، فأدخلت عليه فحين رآها بدرها فقال: إن صبيّك هذا به حرقة البول، وهو يبول الرمل!. فقالت:
نعم. فقال: فيستعمل كذا وكذا، وانصرفت. قالا: فسألناه عن العلامة الدالّة على أنّ به ذلك، وأنه لو أن الآفة في الكبد أو الطحال لكان اللون من الاستدلال مطابقا. فقال: حين دخل رأيته يولع بإحليله ويحكّه ووجدت أنامل يديه مشقّقة قاحلة. فعلمت أن الحكة من الرمل، وإن تلك المادة الحادّة الموجبة للحكة والحرقة، ربما لا مست أنامله عند ولوعه بالقضيب فتقحّل وتشقّق، فحكمت بذلك. وكان موافقا".
ومن نوادر أمين الدولة وحسن إشاراته، أنه كان يوما عند المستضيء بالله وقد أسنّ أمين الدولة، فلما نهض للقيام توكّأ على ركبتيه، فقال له الخليفة: