مجرية «١» ، رآها فما خافها، وهي تسطو بأنياب وأظفار، وتهول مثل الليل بلا أسفار؛ فنبحت عليه نباحا ظنّ به أن الجبال عليه قد أطبقت، أو الجيوش به قد أحدقت، فامتشق سيفه وخطا إليها وقدّم قدمه، وأقدم عليها، ثم دهش للخوف من بأسها، فأضلّها، وإنما أصاب بالسيف جروا لها.
فقال أبو القاسم:[البسيط]
يا معشر النّاس إن الحيص بيص أتى ... بفعلة أورثته الخزي في البلد
هو الجبان الذي أبدى شجاعته ... على جريّ ضعيف البطش والجلد
فأنشدت أمه من بعد ما احتسبت: ... دم الأبيلق عند الواحد الصّمد
أقول للنفس تأساء وتعزية ... إحدى يديّ أصابتني ولم ترد
كلاهما خلف من فقد صاحبه ... هذا أخي حين أدعوه، وذا ولدي
وكان المقتفي حين بويع شيخا قد علت سنّه واحد ودب غصنه، ووزيره ابن الهبيرة من علم زهاده، ومداومة درس، وعباده. وكان أبو القاسم يستطيل مدتهما، ويكره بأسهما الذي لا يلين، وشدّتهما؛ فجلس يوما المقتفي وابن هبيرة واقف أمامه، ومصرف زمانه هذا، وقد استثقل أبو القاسم طول ايامهما، وامتداد دوامهما، فقال:[السريع]
يا معشر الناس!، النفير النفير ... قد جلس الهردب «٢» فوق السرير