وحدّثني بعض النصارى بدمشق- وهو السني البعلبكي الطبيب- قال:
كان مولد اليبرودي ومنشؤه بيبرود، وهي ضيعة كبيرة من صيدنايا، وبها نصارى كثيرون، وكان اليبرودي بها كسائر أهلها النصارى من معاناتهم الفلاحة، وما يصنعه الفلاحون، وكان أيضا يجمع الشيح «١» من نواحي دمشق القريبة من جهته، ويحمله على دابّة، ويأتي به إلى داخل دمشق يبيعه للذين يقدونه بالأفران وغيرها، وإنه لما كان في بعض المرّات وقد عبر من باب توما، ومعه حمل شيح، رأى شيخا من المتطبّبين وهو يفصد إنسانا قد حصل له رعاف شديد من الناحية المسامتة للموضع الذي ينبعث منه الدم، فوقف ينظر إليه وقال له: لم تفصد هذا ودمه يجري بأكثر مما يحتاج إليه؟.
فعرفه أنه إنما فعله لينقطع عنه الدم الذي ينبعث من أنفه لكونه يجذبه إلى مسامتة الجهة التي ينبعث منها.
فقال له: إذا كان الأمر هكذا فإننا في مواضعنا قد اعتدنا أنه متى كان نهر جار، وأردنا أن نقطع الماء عنه، فإنا نجعل له مسيلا إلى ناحية أخرى غير مسامتة، فينقطع من ذلك الموضع ويعود إلى الموضع الآخر. فأنت لم لا تفعل هكذا، وتفصده من الناحية الأخرى؟.
ففعل ذلك وانقطع الرعاف عن الرجل، وقال ذلك الطبيب لليبرودي: لو أنك تشتغل بصناعة الطب جاء منك طبيب حاذق.
فمال اليبرودي إلى قوله، وتاقت نفسه إلى العلم، وبقي متردّدا إلى الشيخ في أوقات وهو يعرفه، ويريه أشياء من المداواة، ثم إنه ترك يبرود وما كان يعانيه وأقام بدمشق يتعلّم أشياء من المداواة، وصناعة الطب، فلما تبصّر في أشياء