منها، وصارت له معرفة بالقوانين العلمية، حاول مداواة المرضى، ورأى اختلاف الأمراض وأسبابها، وعاماتها، وتيقّن علاجاتها، سأل عمّن هو إمام في وقته بمعرفة صناعة الطب جيدا؟.
فذكروا له أنّ ببغداد أبا الفرج ابن الطيّب كاتب الجاثليق، وإنه فيلسوف متفنّن، وله خبرة وفضل في صناعة الطب، وفي غيرها من الصنائع الحكمية.
فتأهّب للسفر، وأخذ سوارا كان لأمّه لينفقه، وتوجّه إلى بغداد، وصار ينفق عليه ما يقوم بأوده، ويشتغل على ابن الطيب إلى أن مهر في صناعته، وصارت له مباحثات جيدة، ودربة فاضلة في هذه الصناعة، واشتغل أيضا بشىء من المنطق والعلوم الحكمية، ثم عاد إلى دمشق وأقام بها.
ونقلت هذه الحكاية المتقدمة أو قريبا منها، وإن كانت الرواية مختلفة عن شيخنا الحكيم مهذّب الدين أسعد بن إلياس ابن المطران، قال: حدّثني أبي، قال: حدثني أبو الفرج ابن الحديد، قال: كان بدمشق فاصدا يقال له: أبو الخير، ولم يكن من المهرة، وكان من أمره أنه فصد شابّا، فوقعت الفصدة في الشريان، فتحير وتبلّد، وطلب قطع الدم، فلم يقدر على ذلك، فاجتمع الناس عليه، ففي أثناء ذلك طلع صبيّ عليه وقال: يا عماه! افصده في اليد الأخرى!.
فقال: شدّ الفصد الأول. فشدّه ووضع عليه لازوقا كان عنده، وشدّه. فوقف الدم وانقطع الجميع.
ووجد الصبي بالسوق معه دابة عليها حمل شيح، فتشبّث به، وقال: من أين لك ما أعلمتني به؟.
قال: إن أبي في وقت سقي الكرم إذا انفتح شق من النهر وخرج الماء منه بحدّة لا يقدر على إمساكه دون أن يفتح فتحا آخر ينقص منه الماء الأول الواصل