للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المهذب السامري عمه، وكان لا يطمع في معاضلته، ولا يقدر على مناضلته، إلا أنه قتل نفسه بحمقه، وتبرد بالنار من حرقه، ولم يزل منذ أخذ في الطلب يترقى ويبرّز بين المعامل ولا يتوقى، حتى تسنّم ذرى الوزارة، وغلط طيفها في غفلة الحلم وزاره، فتصدى للأموال حتى صادها، وأقام على الأعيان أرصادها، إلا أنها فرّت من شباكه، وأنفت أن تستقر في أملاكه، ثم كان آخر ما حمله عليه الهوج «١» ، وطلب به استقامة حاله من العوج، أنه أقيم من الدست الذي لم يقدّمه أحد إلى صدره، ولا جزي به بعد طول الحبس على عاقبة صبره، ثم أخذ وشنق، وكان قد أبرم بيده حبل سعادته فخنق.

قال ابن أبي أصيبعة:" كان له الذكاء الذي لا مزيد عليه، والعلم الذي لا يصل سواه إليه، والإنعام العام والإحسان التام، والهمم العالية، والآلاء المتوالية. قد بلغ من صناعة الطب إلى غاياتها، وانتهى إلى نهاياتها، وفاز بمحصولها، وأتقن علم فروعها وأصولها، حتى قلّ له المماثل، وقصر عن معانيه كل فاضل.

كان أولا عند الأمجد «٢» صاحب بعلبك طبيبا، فلما توفي بدمشق، استقلّ أمين الدولة بالوزارة العمادية، فساس أحسن السياسة، وبلغ في التدبير نهاية الرياسة، وثبت قواعد الملك، وأبّدها، ورفع مباني الفضل وأيدها، وجدّد معالم العلم والعلماء، وأوجد من الفضائل ما لم يكن لأحد من القدماء، ولم يزل عالي القدر نافذ الأمر، مطاع الكلمة، كثير العظمة، إلى أن ملك دمشق الملك الصالح أيوب، وجعل نائبه بها [معين الدين] ابن شيخ الشيوخ، وأعطى الصالح إسماعيل بعلبك، فانتقل إليها، وبقي وزيره بدمشق، وقد جمع له ولصاحبه أموالا عظيمة جدا، أخذها من أهل دمشق، بموافقة القاضي الرفيع الجيلي، فاتّفق

<<  <  ج: ص:  >  >>