طبيب نهض به طيب العناصر، ونهى علمه أن تعقد على غيره الخناصر. كان في الحكماء علما، وفي إثبات الحكم قلما، عزّ وجوده وقلّ ما، فاض إناؤه، وآض «١» اجتناؤه، وكان لفروع الطب شجرة يكاد زيتها يضيء، ويقال «٢» في ظلها ويفيء. كأنما جالس أرسطوطاليس، وجال مع تلك الجماعة في تقرير تلك النوامس «٣» ، ولهذا اشتهر، وملأ العيون وبهر. وكان ممن يستصحّ برأيه، ويستصبح بذكائه. هذا إلى خطّ أوتيه، وحظّ كان يواتيه.
قال ابن أبي أصيبعة «٤» :" إليه انتهت رياسة صناعة الطب ومعرفتها على ما ينبغي، ولم يكن في اجتهاده من يجاريه، ولا في علمه من يماثله، أتعب نفسه في الاشتغال وكدّ خاطره في تحصيل العلم حتى فاق أهل زمانه، وحظي عند الملوك، ونال من جهتهم من المال والجاه ما لم ينله غيره من الأطباء، وكان في مبدأ أمره كحّالا، وكذلك كان أخوه حامد بن علي، وكان الدّخوار يكتب خطا منسوبا، ونسخ الكثير، وقرأ النحو على الكندي، والطب على الرضي الرحبي، ثم لازم الموفق ابن المطران، ثم أخذ عن الفخر المارديني، لما قدم دمشق، وخدم الملك العادل بن أيوب، ثم لم يزل تسمو منزلته عنده حتى صار جليسه، وصاحب مشورته، وظهرت له منه نوادر في تقدم المعرفة، منها: أن العادل عرض له مرض وأشار الدخوار عليه بالفصد، فلم يوافقه بقية الأطباء على ذلك، فقال