لهم: والله إن لم يخرج دما وإلا خرج الدم من غير اختياره، فما مضى أيسر وقت حتى طفر الدم من أنفه، ورعف رعافا كثيرا، وصلح، فعلم أنه ليس في الكل مثله.
ومنه: أنه كان يوما على باب دار السلطان في جماعة من الأطباء، إذ خرج خادم ومعه قارورة جارية يستوصف لها لشيء شكت منه، فلما رأوها، وصفوا لها ما حضرهم. فقال الدخوار: إن هذا الذي شكت منه ما يوجب صبغ الماء هكذا، ويوشك أنه من حناء اختضبت به. فقال له الخادم: نعم، تخضّبت بحناء. فأخبر العادل بذلك، فتزايد حسن اعتقاده فيه.
ومن أحسن ما يؤثر عنه أن الملك العادل كان قد غضب على قاضي القضاة محيي الدين ابن الزكي لأمر نقمه عليه، وأمر باعتقاله بقلعة دمشق، إلى أن يزن عشرة آلاف دينار مصرية، وشدّد عليه، فأقام في السجن والمطالبة، ووزن البعض، وعجز عن البقية، وقال السلطان: إن لم يزن وإلا عذّبته. فتحيّر القاضي وباع جميع موجوده وأثاث بيته، حتى الكتب التي له، وتوسّل إلى السلطان بكثير من الأمراء والخواص في المسامحة أو التقسيط، فلم يقبل، فأتى الدخوار إليه ليتفقده لمودة قديمة بينهما، فشكا إليه حاله، وما قد تم عليه، فوعده بالمساعدة بحسب الطاقة، ثم قام فدخل على أم الصالح إسماعيل ابن العادل، وكانت ممرضة، فلما دخل عليها عرّفها بحديث القاضي وأنه مظلوم، وسألها في أمره، فقال: كيف أحدّث السلطان في أمر من لا أعرفه؟ ولو كان طبيبا يدخل علينا أو تاجرا نعامله لأمكن الكلام فيه. فقال لها: فثمّ طريق آخر يحصل به القصد. قالت: وما هو؟.
قال: في وقت يكون السلطان نائما عندك تظهرين له أنك رأيت مناما يقتضي أن القاضي مظلوم، وعرّفها ما تقول. فقالت: هذا يمكن. فلما عوفيت أتاها الملك العادل، فنام عندها وهي إلى جانبه، فلما كان آخر الليل انتبهت وأظهرت