مجلسه قليل الوقار، والغالب عليه حب اللهو، فابتدأني بالكلام، فقال ابن حبيش «١» المعروف باليوناني: تقول: إن الملوحة تحلو؟. قلت: نعم. قال:
فالحلاوة إذا هي الملوحة، والملوحة هي الحلاوة، فقلت: إن الحلاوة تحلو بلطف وملائمة، والملوحة تحلو بعنف. وتمادى على المكابرة، وأحب المغالطة، فلما رأيت ذلك منه قلت له: أنت حيّ؟. قال: نعم. قلت: والكلب حي. قال: نعم.
قلت: فأنت الكلب، والكلب أنت!. فضحك ضحكا شديدا، فعلمت أن رغبته في الهزل أكثر من الجد.
قال: فلما وصل داعي المهدي «٢» إلى" رقادة"«٣» أدناني وقرّبني، وكانت به حصاة في الكلى، فعالجته بدواء فيه العقارب المحرقة، فجلست ذات يوم مع قوم من كنانة، فسألوني عن صنوف من العلل، وبقيت كلما أجبتهم لا يفقهون قولي، فقلت لهم: إنما أنتم بقر!، فبلغ الخبر داعي المهدي، فقال لي: أتقابل إخواننا المؤمنين بما لا يجب! وتالله الكريم لولا أنني أعذرك بأنك جاهل بحقهم، وبما صار إليهم من معرفة الحق وأهله لأضربنّ عنقك.